رمضان جريدي العنزي
الوطن قبيلتنا الكبرى والسقف العالي، والجذر العميق، فيه تنصهر الأسماء في اسم واحد، وتذوب الفوارق كلها حتى لا تبقى فارقة، هو حضن الأم، وصوت الأب والجد، وضحكة الطفل، الوطن قبيلتنا الكبرى التي لا يحدها نسبٌ ضيق ولا عرق ولا جماعة ولا سلالة، هو الأرض والبحر والفضاء المديد والحضن الدافئ، ظلنا ومظلتنا وحديقنا وحقلنا البهي، وفضاءنا الفسيح، النشيد الذي لا ينتهي، والحياة التي لا تموت، الوطن ليس بقعة جغرافية على الخريطة، بل هو الأمن والأمان والانتماء، كل حجر وكل شجر وكل زاوية تحمل قصة وتحمل انتماء، الوطن قبيلتنا العاطفية، ورابطنا الروحي، ونسيجنا المتين، الوطن من خانه فقد خان دمه وذاته وجوهره، ومن باعه فقد باع نفسه، ومن أنكره انكر فضله، ومن احتضنه ورعاه عاش خالداً عزيز النفس، مرفوع الهامة والقامة، الانتماء للوطن ليس مجرد شعور وأغنية وتغني، بل هول مسؤولية وأمانة، أنه الحضن والحصن والاتحاد العظيم، حيث تتحد جذورنا، وتتشكل أحلامنا، وتنمو طموحاتنا، إنه النبض الذي يسري في العروق، والعبق والغرس، والملح والأنس، تنور الخبز، وسنابل القمح، دار السلام، ودار الأنام، صهيل اليقين، وموقع الوتين، ميسان الحضارة والتاريخ والشمس، حقل الحنطة، وحقل التفاح، انسكاب الماء، وبهاء اللون، هامة العلو، وارتكاز القرار، والمسار الذي لا يشبه المسار، السيف الذي لا ينكسر، والدرع المهاب، الظل العالي، والسياج المنيع، الحيز والمدار، من سالف الأحقاب، وأنت المجد والانتصار، والحرب والسلام، والمعصم والسوار، المبخرة والبخور، والسطر والمسطرة، والحبر والمحبرة، والنظر والمنظرة، والشجرة المثمرة، والفاكهة النضرة، والغيمة الحبلى، والقصيدة الملحنة، يا نصوص الشعر، نخلك باسق، وسراجك منير، فيك البهاء، وفيك النقاء، وفيك نشيد الكلام، يا سيد الأوطان، يا لون الزرع، ولون الغمام، يا حدود البهاء، يا لون البنفسج، قامتك طويلة، وأوديتك عراض، وبحرك امتداد، وفضاءك وسيع، فليعرف الحمقى أحجامهم الصغيرة، أصحاب الضجيج، وخداع الثعالب، وأصوات الضباع، بأنك باق لأن سيرتك ليست كأي سيرة، وسيبقى للأغبياء الجنون، ستبقى أنت كما أنت سيداً للنماء والاستطالة والمشاريع الطموحة، ستؤول لحلمك الذي ارتضيت، حتماً ستؤول، فسلام عليك يا وطني من أول الكلام لآخر حدود الكلام، فالهمام يا وطني الهمام، وما عليك من بغيض الكلام.