د. سطام بن عبدالله آل سعد
رغم ضخامة مشروع مترو الرياض ودوره المحوري في تغيير مشهد النقل، فإنه ما زال محصوراً داخل العاصمة، تاركاً محافظات قريبة وحيوية مثل الخرج والمزاحمية وملهم خارج المنظومة. هذه المحافظات وما جاورها ليست أطرافاً جغرافية، هي امتداد بشري واقتصادي للرياض؛ فمئات الآلاف من الطلاب والموظفين يعبرون منها وإليها يومياً، ومع توسع العاصمة وارتفاع تكاليف السكن فيها أصبحت هذه الضواحي خياراً سكنياً واقتصادياً مفضلاً للكثير من العائلات، غير أن الطرق البرية تحولت إلى عبء يومي يستهلك الوقت والجهد ويزيد الضغط على البنية التحتية.
ملهم على سبيل المثال تحتضن نادي الصقور السعودي ومهرجان «ليب» العالمي، وهما حدثان لا يقتصر أثرهما على البعد الترفيهي والثقافي، بل يمتدان ليشكلا رافعة اقتصادية تجذب الاستثمارات وتستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها. مثل هذه الفعاليات العالمية تحتاج إلى وسائل نقل متقدمة وسريعة تعزز انسيابية الوصول، وتجعل من ربط ملهم بشبكة المترو أولوية تنموية واستراتيجية لدعم السياحة والاقتصاد المحلي وتعزيز مكانتها ضمن المشهد الوطني.
إن ربط هذه المحافظات بالمترو سيمثل نقلة تنموية كبرى؛ فهو اقتصادياً يخفض تكاليف النقل والإنتاج، ويعزز كفاءة سلاسل الإمداد، ويفتح أسواقاً جديدة تجذب الاستثمارات، وينشّط جزءاً من الحركة الاقتصادية خارج العاصمة، واجتماعياً يقلص ساعات التنقل ويوفر خيارات سكنية أوسع، وبيئياً يحد من استهلاك الوقود والانبعاثات. والأهم أنه يحوّل هذه المحافظات إلى مظلة حضرية واقتصادية تخدم محيطاً أوسع من القرى والمراكز، بما يعيد توزيع الثقل التنموي ويؤسس لنمو أكثر توازناً واستدامة على مستوى المنطقة.
لقد أثبتت التجارب الدولية أن نجاح أي مشروع مترو أو قطار لا يكتمل إلا حين يتحول من وسيلة حضرية داخلية إلى شبكة إقليمية تربط المركز بأطرافه؛ كما في باريس التي مدّت «قطار الضواحي السريع» إلى فرساي وديزني لاند فصار شرياناً اقتصادياً واجتماعياً يخفف تضخم العاصمة، ولندن التي دمجت المترو مع «القطارات السطحية» و»السكك الوطنية» لتصل إلى مدن مثل واتفورد وكرويدون فتوزع التنمية وتقلل الضغط، وطوكيو التي ربطت المترو بخطوط السكك السريعة نحو تشيبا وسايتاما ويوكوهاما لتبني أكبر منطقة حضرية متكاملة يعيش ملايين سكانها خارج العاصمة ويعملون في قلبها يومياً.
لذلك، ربط الضواحي بمترو الرياض سيكون استجابة لمتطلبات التنمية المستدامة ورهانات المستقبل؛ فالمترو جسر ينقل المدينة من مفهوم إدارة الأزمات المرورية إلى صناعة التوازن الحضري والاقتصادي، ومن كيان مثقل بأطرافه إلى عاصمة عصرية قادرة على احتواء محيطها بذكاء وفاعلية.