السموأل محمد إبراهيم
في زمن قل فيه صنيع الأبطال وترجلت فيه الكثير من صفات الفروسية عن صهوة المواقف؛ ظهر البطل ماهر الدلبحي، رجل من سلالة الفروسية، ونخوة الصحراء، وقد ارتقى في لحظة من لهب إلى مقام البطولة الخالدة؛ ودون اسمه في سجل الشجاعة بمداد من نار ونور.
لم يلتفت إلى نيران تستعر، ولا إلى مصير قد يبتلعه لهيبه، بل قاد شاحنة ملتهبة، تصرخ باللهب، ليبعدها عن محطة وقود، حماية للأرواح والممتلكات، وتحصينا لحي من كارثة كانت وشيكة؛ فعظم فعله، وارتفعت هامته، وسجل اسمه في دفاتر المجد؛ وانطبق فيه قول الشاعر السوداني في الفروسية (عارفك ما بتخاف إن قطّعوك حِتت؛ أبواتنا الرجالة كملوها جت)؛ و(حتت) يقصد بها القطع الصغيرة، والرجالة هي الرجولة، و(جت) كلمة في الدارجية السودانية تعني كلها، أي أكملوا كل صفات الرجولة.
وها هي القيادة الرشيدة، قيادة المملكة العربية السعودية، متمثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان (حفظهما الله) لم تغفل عن هذا الموقف النبيل، بل أنزلت الفعل منزله، وكرمت الشجاعة كما يليق بها، بمنح البطل ماهر الدلبحي وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، ومكافأة مالية قدرها مليون ريال، في موقف يجسد المعنى الحقيقي للوفاء، ويؤكد أن هذه القيادة هي نعم الراعية لرعيتها، لا تنسى، ولا تغفل، ولا تجامل على حساب القيم النبيلة. إنه موقف عظيم من قيادة عظيمة؛ تكرم أصحاب المواقف وترد الجميل لمن يستحقه؛ وتبرهن في كل مناسبة أن الراعي لا ينسى في حضرة رعاته؛ وأن المملكة بقيادتها الحكيمة تحفظ الجميل وترعى أبناءها المخلصين كما ترعى أرضها المباركة.
هذا التكريم لا يعبر فقط عن شكر بل يرسخ في وجدان الأجيال أن الشجاعة قيمة لا تصدأ؛ وأن البطولة تظل دوماً محل التقدير في وطن المجد والنماء والعطاء.
إنني كسوداني أحمل هوية بلد يقدر النخوة والفداء؛ ويعشق الفروسية، ومفتون بالشجاعة والكرامة، أقف إجلالا أمام هذا الموقف الذي هز في داخلي مكامن الإعجاب ومآثر الفروسية التي لا تندثر، وأن الشجاعة تعرف أصحابها وأن الفراسة لا تخطئ رجالها؛ وماهر الدبلحي واحد من أولئك الذين ترفع لهم القبعات وتنحني لهم القلوب احتراما؛ لذلك أشد على يد هذا البطل وأحيي القيادة، وأقول: لقد علمتم العالم أن المروءة لا تزال حية، وأن البطولة لا تذهب سدى، وأن الشجاعة تكافأ كما تستحق.
فلك يا ماهر الدلبحي من السموأل السوداني المعجب بصنيعك ألف تحية وتحية؛ وللقادة الأكارم من القلب دعاء أن يحفظهم الله ويسدد خطاهم؛ ويجزيهم خير الجزاء على هذا التقدير النبيل، وعاشت السعودية، قيادة وشعبا، موطن العز والفداء، ومهد الشجاعة والوفاء، تشرق بالمجد وتنبض بالولاء.