سعود عبدالعزيز الجنيدل
في حياة كل إنسان لحظةٌ فاصلة لا يراها الآخرون كما يراها هو؛ قد تكون كلمة عابرة، أو نظرة صامتة، أو حتى انطباعًا يتكوّن في لحظة غفلة. تلك اللحظات الصغيرة، التي تبدو عابرة في دفتر الأيام، تظل في أعماق النفس كجرسٍ خفيّ يعيد رنّته كلما اختبرنا مواقف جديدة.
أحيانًا نظن أن صورتنا لدى الآخرين راسخة كالجبال، فإذا بنا نكتشف أنها هشة كالزجاج، يكفي أن يعلوها غبار سوء الفهم حتى تتشوه ملامحها. وحينها نُبتلى بسؤالٍ مُربك: هل نحن مسؤولون عمّا ينعكس في مرآة أعين الناس، أم أن لكل ناظر زاويته التي لا نستطيع تعديلها؟
تعلمت أن الكلمة قد تحملك إلى علياء الرضا، وقد تهوي بك -إن التبس معناها- إلى قاع الريبة. ليست الحقيقة وحدها من تصنع الحكم، بل طريقة وصولها، وصوت حاملها، والظرف الذي يُقال فيه ما يُقال. وهنا تتجلى الحكمة القديمة: «ليس المهم ما تقوله، بل كيف يُسمع ما تقول».
ولعل أجمل ما في التجربة أن الإنسان يُمنح فرصة ثانية، لا ليبرر نفسه، بل ليعيد بناء الثقة بعمله وصمته وأفعاله. فالثقة لا تُستعاد ببيانٍ مكتوب، ولا باعتذارٍ منمّق، وإنما بعملٍ متصل يثبت أن المعدن لا يصدأ، وأن الجهد الصادق لا يخذل صاحبه مهما تكاثرت الظنون.
لقد آمنت أن الاحتفاء الحقيقي بالإنسان لا يكون عند حضوره القوي، بل عند عودته بعد عثرةٍ أو ارتباك. فالنجاح سهل حين تسنده الريح، لكن المجد الأعمق أن تقف ثابتًا حين تلتبس عليك الرياح. وما أجمل أن يقال فيك: «عاد كما عهدناه»، فهي شهادة لا تُمنح إلا لمن أضاء حضوره من جديد بعد أن خفت بريقه مؤقتًا.
إنها دروس صغيرة في ظاهرها، كبيرة في أثرها، تذكّرنا أن أجمل الصور ليست تلك الملتقطة بعدسات الآخرين، بل تلك التي نرسمها نحن بإصرارنا، حتى إذا قيل: «من فتى؟» كان الجواب صادقًا بلا تردد.