رسيني الرسيني
يقال إنه يتعذر فهم معنى جميع أبيات قصائد محمد الثبيتي -رحمه الله- لأن الشاعر الحداثي حالم بطبعه يكتب عن واقع افتراضي وعلى المتلقي فهم الأبيات حسب تجليه وقت القراءة. إلا أن «مهجة الصبح» في قصيدته الشهيرة يجزم الجميع أنها القهوة، وذلك لذكره ووصفه أنها شاذلية، ومُرةٌ مستطابه. هذه الصورة عن القهوة أو كما وصفها المرة المستطابه، أصبحت ثقافة ونمط حياة لكثير من الشعوب، مما جعل القهوة صناعة وقطاعا اقتصاديا مهما على مستوى العالم. فما علاقة الاقتصاد بالقهوة وبماذا تتميز به المملكة بهذا الشأن؟
تُعد المملكة من أكثر عشر دول في العالم استهلاكًا للبن، حيث يتجاوز الاستهلاك السنوي 80 ألف طن، ما يجعل سوق القهوة المحلي من الأسرع نموًا. ورغم أن الإنتاج المحلي في عام 2020م لم يتجاوز 800 طن ويغطي فقط نحو 0.5% من الاحتياج، إلا أن هناك مستهدفا طموحا لرفع الإنتاج إلى 7000 طن بحلول عام 2026م، ورفع تغطية الاحتياج إلى 6 % من الطلب المحلي. الأمر المبهج أن الإنتاج ارتفع فعليًا إلى أكثر من 1400 طن في عام 2023م، مما يعزز الأمن الغذائي ويوضح الأعمال المبذولة لتحقيق المستهدفات بهذه الصناعة.
ولا يمكن الحديث عن إنتاج القهوة في المملكة دون الإشارة إلى تميّز منطقة جازان بموقعها الجغرافي الفريد ضمن حزام القهوة العالمي، وهو ما جعلها بيئة مثالية لزراعة البن. إذ تحتضن جازان وحدها أكثر من 340 ألف شجرة بُن موزعة في محافظاتها المختلفة مثل: الداير وفيفا والعارضة، ما يعكس ثروة زراعية ذات أبعاد اقتصادية واعدة، ويقلل الاعتماد على الواردات، ويفتح فرصًا تصديرية لخارج المملكة. وهو ما حدث فعلًا هذا العام، وذلك ببدء جمعية «تعاونية البن» في منطقة جازان، بتصدير أول شحنة إلى مملكة بلجيكا، في خطوة نوعية نحو تعزيز حضور البن السعودي في الأسواق العالمية.
ومن جانب آخر، ما يدعو للتفاؤل في هذه الصناعة الواعدة هو برنامج ريف السعودية، أحد المبادرات الاستراتيجية لوزارة البيئة والمياه والزراعة، والذي يهدف إلى تطوير التنمية الريفية المستدامة، خاصة في القطاعات الزراعية ذات الميزة النسبية، مما يعزز قيمة التنوع الطبيعي في أراضي المملكة، الذي يُعد داعمًا لرفع الناتج المحلي غير النفطي، إذ لا ينحصر اقتصاد القهوة على عوائد مبيعاته فقط وإنما يُسهم أيضًا في تنشيط السياحة الزراعية وتوفير فرص عمل مستدامة في المناطق الجبلية. ومن خلال هذا الدعم الموجه، أصبحت زراعة البن خيارًا اقتصاديًا جذابًا يسهم في تنويع مصادر الدخل وتحقيق التنمية المتوازنة في المملكة.
حسنًا، ثم ماذا؟
أدعو القارئ الكريم لمشاهدة حلقة في برنامج سين الشهير تتحدث عن القهوة في جازان وقصة نجاح الصين التي بدأت من مبادرة حكومية، كما يحدث الآن في المملكة بمبادرات نبيلة لدعم التنمية الريفية المستدامة، بالإضافة إلى تأسيس الشركة السعودية للقهوة كخطوة إستراتيجية نحو تحقيق هذا الطموح.