منال الحصيني
المتأمل لسيرة المرأة السعودية يدرك حقاً أن الحاضر ليس بمعزل عن الماضي، وأن كل ما تصنعه فتيات هذا الجيل هو امتداد لحكاية طويلة نسجتها الجدات والأمهات على مدار عقود مضت.
فالمرأة السعودية حتى وإن كان حضورها قديماً في إطار المحدودية في المشهد العام فهي لم تتوقف يوماً عن أن تكون محوراً للحياة.
فهي من ربت وعلّمت وحملت الكثير من أعباء الأسرة والمجتمع بعزيمة وقوة وإيمان فهي المدرسة الأولى التي زرعت في فتيات اليوم بذور الصمود التي تنمو الآن في هذا الجيل.
فاليوم وحينما ترتاد الفتيات الجامعات ليدرسن الهندسة والعلوم والكثير من التخصصات الدقيقة التي كانت حكراً على الذكور فهي تحمل معها إرث أم دفعتها للتعليم ربما لم يتح لها فرصة الجلوس على مقعد دراسي، ولكنها هي من أهدتها حكمة الحياة وصوت الحلم.
وحينما تدخل الشابات السعوديات سوق العمل في المصانع وكبرى شركات التقنية ومجالات الطيران ويصلن للفضاء ويدافعن عن الوطن في المحافل الدولية فهذا لم يكن ليُبدأ من الصفر، فالفتاة من الجيل الجديد تضع قدميها على طريق معبد بالتضحيات الصامتة للنساء اللواتي سبقنها ممن شاركن في بناء البيت والمجتمع والوطن من خلف الأبواب المغلقة.
ويتبين من الإحصائيات القفزات المذهلة في ارتفاع نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل إلى أكثر من 36 % حيث تقدمت على أهداف رؤية 2030 قبل أوانها وذلك لم يكن حديثاً كونه امتدادا لدور مسبوق بوجهة جديدة لجيل الفتيات يتجهن بها نحو بناء المجتمع بشكل أوسع وأكثر شمولاً وأردن به إعادة تعريف مكان المرأة في المجتمع سياسياً واقتصادياً وثقافياً.
الفتيات اليوم من الجيل الجديد يكتبن فصلاً جديداً من تاريخ الوطن لا يشبه ما سبقه لكنه ممتد بجذوره نحو عمق الأرض حيث القيم والمبادئ ليصل بتطلعاته نحو السماء حيث الفخر والاعتزاز.
فكل ما تفعله الفتيات السعوديات اليوم ليس مجرد محاولات فردية لكنه إعادة للهوية المجتمعية للمرأة فنجدها تبرز في الاقتصاد كما بروزها في الفنون وفي الجامعات كما في الفضاء وبين جدران المصانع كما في منابر الساسة.
فالمستقبل الذي يراه الجيل الجديد من الفتيات ويصنعنه اليوم لم يكن مشروعا شخصيا، بل هوية مجتمع بأسره يعيد تعريف نفسه من خلالهن، ولعل أجمل ما في هذا التحول أنه لم يبنى على النكران للماضي، بل امتداد له فما زالت الفتيات من الجيل الجديد يحملن في أعماقهن أصوات وأحلام الأمهات ليكون المستقبل جسراً بين ما كان وسيكون مستقبلا تُكتب فيه الحكاية السعودية بيد المرأة كما تُكتب بيد الرجل، يسيران معاً جنباً إلى جنب، بأصوات متعددة لكن برؤية واحدة.