عبدالعزيز صالح الصالح
غريب أمر الإنسان.. وغريب أمر التناقض الذي يحمله في نفسه، فهو يخوض معركة شاملة من كافة الاتجاهات، أول أمرها مستترة متخفية، ولكنها اليوم أصبحت شرسة معلنة، على الساحة، عبر نفوس مريضة تتحلى بالحقد، والحسد، والظلم، والعدوان، فقد أضحت مكتئبة، وقلقة، وحزينة، ومهمومة، تغتالها في كل تارة، عوامل التحريض، والوشاية، والذم، ونقل العلوم الكاذبة، وعدم المصداقية، التي دمرت الكثير وأوصلت الناس إلى الهاوية، وكم من شخص ذاق مرارة الألم من هؤلاء الذين ظلموا أهواءهم، أقوالهم متواترة لكنها ضعيفة وليس فيها من الحقيقة إلا القليل إن لم تكن كلها كاذبة وافتراء، وقول بدون تثبت ولو تأملنا في قول الباري عز وجل:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} سورة الحجرات آية (6).
ويقول الإمام على بن أبي طالب رضى الله عنه:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً
فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم
تنام عينيك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
وما أسوأ حال الإنسان، وما أضيعه إذ تخلى عن تفكيره السديد، وعن مشاعره الإنسانية النبيلة، كالتعاون، والتكاتف، والعطف، والإخاء، والشفقة، والرحمة!
إنه غريب فعلاً أمر هذا الإنسان فهو تواق.. وفضولي، يسعى جاهداً إلى اقتحام المجهول.. ومن جهة ثانية تجده ضحية لكل تلك الطموحات، فيحاول خلاص نفسه من كافة المشاعر الضاغطة التي تحطمه وتحوله إلى مجرد آلة صماء يتحدث بدون وعي وبدون روية - وقال أحد الحكام: ثلاث لا يصلح فسادهن بشيء من الحيل والمكر والخداع، العدوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، والركاكة في العقول.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد:
عين الحسود عليك الدهر حارسة
تبدي المساوئ والإحسان تخفيه
يلقاك بالبشر بيديه مكاشرة
والقلب مضطغن فيه الذي فيه
إن الحسود بلا جرم عداوته
فليس يقبل عذراً في تجنيه
وما أظلم مصير المرء المعاصر، إذا خبت في أعماقه إشراقات الأمل، والتفاؤل، وانطفأت في أغوار روحه، ووجدانه، جذوة البراءة وصفاء النفس، والإيمان بالله. فقد قال أحد الحكام:
بلوت الناس قرناً بعد قرن
فلم أر غير ذي قبل وقال
ولم أر في الخطوب أشد هولا
وأصعبت من معاداة الرجال
وذقت مرارة الأشياء طرا
فما شي أمر من السؤال
فالإنسان إذا ضاق صدره اتسع لسانه بالقيل، والقال، في هذا العصر، فقد أصيب بكل هذه الأعراض التي تبعده عن التفكير السديد، وعن مشاعر الإنسانية النبيلة الرفيعة، وعن الأمل والتفاؤل، وعن الإيمان العميق بالله، فإنه - بلا شك يصبح أكثر حيوانية، ووحشية من حيوان الغاب المفترس!
يقول الشاعر الحكيم:
اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله
فالنار تأكل نفسها
إن لم تجد ما تأكله
ومن أقوال العرب قديماً:
فالإنسان يأنس لصوت الذئب إذا عوى، ولكنه يخشى الإنسان إذا أبصره مقبلاً نحوه!
وفي تراثنا العربي الخالد يقول (من أعانك على الشر ظلمك) وما أكثر البشر الذين يعينون على الشر في عالم اليوم!
إنهم -بكل تأكيد- أولئك الذين يضرمون نار الفتنة في النفوس، ويؤججون سعير الأحقاد والشرور بين أفراد الأمة.
فالحقد - يعد نزعة شريرة حاقدة تغير صفو الحياة، فالحاقد يتلظى بنار حقده، ويسئ الأذى لغيره، ويحاول تعكير نقاء حياته، لأنه يمارس أذى الآخرين وهي أحقر طريقه في دنيا العلاقات، وأتفه نهجاً وسلوكاً وأخلاقاً، فالدنيا مع الأسف الشديد مليئة بكافة الزواحف الشريرة، فإنها تتحلى بأعنف المعارك التي يخوضها الإنسان على مسار التاريخ الطويل، فهي تتطلب النوعية العالية التي تستوعب الأمور السيئة، التي تنعكس على الواقع والتعامل والإدراك فكل إنسان يتنكر لدوره حتى يصبح تائها في هذه الحياة، فالحياة بكل آلامها وآمالها لا تستحق الحقد، واللؤم، والظلم، والإساءة بشتى طرقها لكنها تحترق بما يفعله، ولا يستطيع البقاء في ضوء الإخاء الصادق - فالنصيحة تساق إلى كل مؤمن مخلص يخاف الله - فالإسلام قد منح اتباعه كل مقومات الشخصية المثالية، وما نعيشه اليوم بحواسنا الظاهرة والباطنة... فإنه يحرك اهتمامنا وتعليقاتنا الصامتة أو الناطقة على الغث والسمين، والجميل والقبيح، واللهجة المشرقة والمظلمة، والأسلوب الممل والجذاب، إلى آخر ما يساور الأمة من مشاعر تجاه محتويات اليوم فإن الوفاء بين الناس يعد أغلى صفة في العلاقات البشرية مع بعضهم البعض لأنها تعنى محبة النفس، وصفاء الروح، وسلامة الصدر من شتى أنواع الإساءة، والكراهية والبغضاء، والضغينة، فالمرء عندما يكون وفياً فهذا يدل دلالة واضحة على صفاء النفس الإنسانية، فكلما يمعن الناس في مادية الحياة فإنك تراهم يفتقدون المشاعر الفطرية التي فطرهم رب العباد عليها.
ويقول الشاعر الحكيم:
إذا لم يكن لك حسن فهم
أسأت إجابة وأسأت سمعاً