بدر سعد الزير
«المستشفى» عادة ما يُنظر إليه كمكان بارد، تحكمه الجدران البيضاء والأجهزة الطبية وأصوات التحاليل والإسعاف، غير أن العالم بدأ يدرك أن رحلة الشفاء لا تقتصر على الدواء والإبرة والعملية الجراحية، بل تشمل أيضًا الجانب النفسي للمريض.
من هنا برزت فكرة «الفن في المستشفيات»، حيث تتحول الجدران إلى لوحات فنية تبث السكينة وتفتح نافذة أمل في أكثر اللحظات صعوبة.
وفي دراسات في علم النفس والطب الحديث أثبتت أن النظر إلى الألوان والأشكال الجمالية يساهم في تقليل القلق وتهدئة دقات القلب، لذلك لم يعد غريبًا أن نرى مستشفيات تخصص مساحات واسعة للجداريات والمنحوتات وحتى المعارض الصغيرة داخل أروقتها، الفكرة هنا أن الفن ليس مجرد ديكور، بل وسيلة علاجية غير مباشرة تعزز مناعة المريض النفسية.
والمريض الذي يقضي أيامًا أو أسابيع في المستشفى يواجه لحظات من الوحدة والملل، ووجود لوحة جدارية مليئة بالألوان أو منظر طبيعي يعكس البحر أو الغابة يمكن أن يغير حالته المزاجية.
كما أن الأثر لا يقتصر على المرضى فحسب، فالزوار الذين يعيشون ضغطًا نفسيًا أثناء متابعة حالة أحبائهم، يجدون في الفن استراحة بصرية تعيد لهم بعض التوازن.
وحتى الأطباء والممرضون الذين يعملون ساعات طويلة في بيئة مليئة بالتوتر، يستمدون من هذه الجداريات طاقة إيجابية تساعدهم على مواصلة العمل بروح أفضل.
كما أن عيادة الأطفال حين تتزين بالفن فهي ليست مجرد جدران بيضاء تنتظر الدواء، بل تتحول إلى عالم حيّ مليء بالألوان والقصص والخيال، عالم يخفف من قلق الصغار ويمنحهم الطمأنينة، ويجعل من رحلة العلاج تجربة إنسانية أعمق، حيث يجتمع الطب بالفن ليمسح الخوف ويزرع الفرح في قلوبهم الصغيرة.
وعندما تزين المستشفيات بالفن ليس ترفًا، بل استثمار في الصحة النفسية والجسدية على حد سواء، وحين نفكر في «البيئة العلاجية»، فإننا لا نتحدث فقط عن غرف العمليات أو الأجهزة الحديثة، بل عن التفاصيل الصغيرة التي تمنح المريض شعورًا بأنه ليس مجرد رقم أو ملف، بل إنسان يستحق أن يعيش تجربة شفاء كاملة في مستشفيات أكثر إنسانية.
ربما آن الأوان لنسأل؟ لماذا لا تكون مستشفياتنا لوحات كبرى تحمل بين ألوانها رسالة حياة؟
لماذا لا نمنح المرضى والزوار والعاملين فرصة لأن يجدوا في الجدران سندًا صامتًا، وجرعة أمل إضافية؟
فالفن، «لا يُشفي الجسد لكنه يجعل رحلة الشفاء أقل ألمًا وأكثر إنسانية».
** **
فنان تشكيلي