د. محمد بن إبراهيم الملحم
أذكركم أن هذه الرافعة متمثلة في الذكاء الاصطناعي AI والذي يمكنه أن يرتقي بأداء المعلم بشكل كبير فيتحسن التدريس، واستشهدت بتعليم أستونيا وكوريا واليوم نتحدث عن بريطانيا وهي التي حقق طلابها أداءً أعلى من المتوسط في الرياضيات والقراءة والعلوم وفقًا لـPISA 2022، مع نسبة 76 % من الطلاب بامتياز في الرياضيات و80 % في القراءة والعلوم، ويُظهر أداء بريطانيا مرونة ملحوظة حيث أنه (رغم تأثير الجائحة) فقد تحسنت نتائج الاختبارات الدولية مقارنة بدول أخرى تراجعت مستوياتها بشدة، ويُعزى ذلك إلى إصلاحات في المناهج وتفعيل أساليب تعليمية عميقة مثل القراءة الصوتية («phonics») و»maths mastery»
وبالنسبة لدمج الذكاء الاصطناعي فإن بريطانيا لديها نهج حكومي معزز بالذكاء الاصطناعي فهناك سياسات وطنية وأدوات عملية مثل خطة AI Opportunities Action Plan التي تشمل استثمارات لتحضير أدوات AI تعليمية مبتكرة، وتتم مراجعتها سنويًا من الجهات الرقابية، وكذلك مشروع Content Store: وهو بنك بيانات حكومي يتضمن خطط دروس، ومناهج، وواجبات مشفرة، وهناك المزيد من المبادرات حيث توجد مدارس تناقش إمكانية استخدام AI لتحسين الاتصال مع أولياء الأمور غير الناطقين بالإنجليزية وتسهيل الوصول للمصادر عبر روبوتات دردشة ذكية وهناك لجنة AI in Education بقيادة Sir Anthony Seldon لتعالج التوازن بين الفرص والمخاطر وتدعو إلى اعتمادات أخلاقية لاستخدام الذكاء الاصطناعي.
كما تعتبر David Game College في لندن أول مؤسسة تطلق فصلاً دراسيًا بدون معلم بشري، حيث تلقن أنشطة GCSE عبر بيئة تقنية تشمل منصة ذكاء اصطناعي ونظارات الواقع الافتراضي. والنظام يخصّص الدروس بناءً على نقاط القوة والضعف لكل طالب. وتعمل كلية King»s College London مع هيئة AQA على أداة ذكاء اصطناعي AI لتقليل عبء المعلمين في التصحيح وتقديم التغذية الراجعة في منهج العلوم للمرحلة الثانوية KS4 ، وأما مدرسة Reigate Grammar فهي تُوظف مدرسين افتراضيين ذكيين (AI private tutors) لتحسين نمط التعلم الفردي.
ومن المبادرات الحكومية المهمة إنشاء أداة Aila والتي عملتها Oak National Academy، وهي مساعد تخطيط دروس يعتمد على الذكاء الاصطناعي، وقد استخدمها نحو 20.000 معلم لتخطيط أسرع وأكثر تركيزا، وهذه المبادرة والتي عنون لها ب (الذكاء الاصطناعي في التعليم) «AI in Education» توفر للمعلمين أدوات تحليل بيانات صفية وتقارير فورية لتحسين خطط التدريس وهو ما يفيد المعلم لتحسين جودة التخطيط والتقييم ، كما يفيد الطالب من حيث حصوله على محتوى تعليمي مدعوم بالبيانات، وتدخلات فورية تستجيب لحالته التعليمية، ولا شك أن خطط التدريس تلعب دورا مهما في تقديم دروس ذات جودة وتأثير تعليمي مهم للطالب، فالمعلم المبدع هو ذلك المعلم الذي يتفنن في رسم خطة تدريسية تتضمن استراتيجيات تدريس وأفكار تدريب تستقي من الخبرة السابقة ونظريات التعلم، فهي الخريطة التي تدل المعلم أين يتجه في سيره التدريسي طوال فترة الحصة، إذ يضع فيها خلاصة أفكاره وتجربته ويقرر من خلالها كيف سيخطو الدرس خطواته، وما هي أهم أنشطته وفعالياته، ولابد لهذه الخطة أن تبنى على أساس الواقع المعاش فهي ليست معلومات مجردة أو قوالب جاهزة (كما يفعل بعض المعلمين والمعلمات اليوم مع الأسف!) بل هي خطة عمل لذلك الدرس في ذلك اليوم ومع أولئك الطلبة، فإذن هي تراعي ظروف الدرس وظروف الوقت الحالي وما فيه من تغيرات وظروف الطلاب من حيث خلفياتهم المعرفية وقدراتهم التعلمية، فلن يكون طلاب هذه السنة كطلاب السنة الفائتة، وبالتالي لا ينطبق على هؤلاء ما انطبق على أولئك وناسبهم.
ومن دون شك فإن دمج الذكاء الصناعي في مسألة التخطيط للدرس هي قفزة مهمة لتحسين التدريس بصورته التقليدية المعروفة، والذكاء الصناعي هنا لا يقوم بواجب المعلم التدريسي وإنما يتشارك معه في جمع معلومات عن تعلم الطلبة (خاصة من خلال التقييم) ومن ثم ينطلق في تحليل هذه المعلومات ليستكشف مناطق الضعف والقوة ثم يقدم مقترحات تخطيط للمعلم لعله إن أخذ بها يتحسن وضع التدريس إلى الأفضل. التخطيط المبنى على تحليلات وأرقام..
وباختصار: المبني على واقع الطلبة هو تخطيط سيكلل بالنجاح الباهر في تقديم درس جذاب ونافع ويرتقي بالطلاب إلى مستويات الطموح. وللحديث بقية