خالد يحيى القحطاني
نجحت أرامكو السعودية من خلال خبراتها التراكمية في طرح نهج مبتكر للاستفادة من البلاستيك المعاد تدويره باستخدامه في سفلتة الطرق، وتُعد الشركة رائدة في تبنّي حلول التدوير التي تعالج التحديات المختلفة، بما في ذلك تراكم هذا النوع من البلاستيك.
في منتصف القرن الماضي، أصبح تراكم البلاستيك المعاد تدويره بفعل الممارسات التقليدية المطّردة والمتمثلة في الاقتناء، والتصنيع، والتخلص، سببًا في مضاعفة استخدام البلاستيك إلى نحو 20 ضعفًا.
ولمواجهة هذا التحدي، يتطلب الأمر التحوّل نحو تبنّي نماذج أعمال الاقتصاد الدائري. وتماشيًا مع مبدأ التدوير المتمثّل في تحويل النفايات إلى موارد، استخدمت أرامكو السعودية البلاستيك المعاد تدويره كمادة رابطة في سفلتة الطرق.
ولتوضيح الصورة، فإن الإسفلت يتكون من الحصى، والرمل، والصخور المكسرة، وهي تتماسك ببعضها البعض بواسطة البيتومين، وهي مادة لزجة يتم إنتاجها من النفط الخام. وعندما نقلل كمية البيتومين في الإسفلت عن طريق استبداله بالبلاستيك المعاد تدويره فإن ذلك يُسهم في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بإنتاج الإسفلت، ويعمل هذا النهج على تحسين الأداء البيئي لإنتاج الإسفلت من خلال استخدام البلاستيك المعاد تدويره، وإطالة دورة حياة المواد، مما يدعم رؤية أرامكو السعودية لتصبح لاعبًا بارزًا في الاقتصاد الدائري بقطاع الطاقة.
مسيرة أرامكو السعودية في التطوير
اتجهت أرامكو السعودية للتفكير في إنشاء «طرق بلاستيكية» عام 2019، عندما أجرت تجربة استخدام البلاستيك بطول 250 مترًا على طريق الحوية السريع بالمملكة، والذي يُستخدم لأعمال الشركة، وتم استيراد البلاستيك المعاد تدويره والمستخدم على الطريق السريع عبر شركة كانت معنية بتقييم استخدام البلاستيك في أعمال السفلتة، وأثبتت التجربة نجاحها، ولكن استيراد النفايات البلاستيكية لم يكن إستراتيجية مرغوبة على المدى الطويل، ولذلك تم وضع خطة لاستخدام مخلفات البلاستيك المحلية. فأصبحت أرامكو السعودية تستخدم الآن نفايات بلاستيكية من معامل معالجة النفايات المحلية، وهي بدورها تلبّي المتطلبات الفنية.
بمجرد فرز النفايات البلاستيكية إلى عدة أنواع، تُصهر وتُحوّل إلى حبيبات أو رقائق يمكن استخدامها في المادة الرابطة المستخدمة في ربط مكونات الإسفلت ببعضها، حيث تحل محل ما يصل إلى 10 % من الروابط التقليدية.
وبعد المشروع التجريبي الأول، تم إنشاء طرق أخرى في جدة، وفي مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) في المنطقة الشرقية، باستخدام البلاستيك المعاد تدويره. وفي سبارك استُخدم البلاستيك المعاد تدويره في سفلتة طريق بطول كيلومتر واحد مخصص لمرور الشاحنات الثقيلة بشكل متكرر.
ونتيجة لنجاحه، أصبح البلاستيك المعاد تدويره الآن ضمن الخيارات في المعايير الفنية لأرامكو السعودية في إنتاج الإسفلت، وتحدد هذه المعايير - من بين أمور أخرى - طريقة الإنتاج الواجب اتباعها، ونسبة النفايات البلاستيكية المفترض استخدامها، ودرجة اللزوجة، ونقطة الانصهار.
وضع معايير هندسية
تعتمد سفلتة الطرق على مجموعة من المعايير الفنية لإعداد مزيج التصميم، وتلبية الحد الأدنى من متطلبات الأداء، وفقًا للموقع الجغرافي للطريق، ومدى تعرضه لأحمال المرور، وتعتمد الحكومات، والهيئات المعنية بالمعايير دليلًا تفصيليًا يحدد المواد التي يمكن استخدامها، وكيفية خلطها، ومتطلبات الأداء المحددة التي يجب الوفاء بها.
ولأجل توحيد معايير سفلتة الطرق باستخدام البلاستيك المعاد تدويره، قامت أرامكو السعودية باختبار أنواع مختلفة من البلاستيك المعاد تدويره والمتوفر محليًا من أجل ضمان تلبية الحد الأدنى من متطلبات المعايير. وبعد عدة محاولات تجريبية، تم وضع وصفة لإنشاء وإعداد مزيج التصميم. كما تم اختيار مشروع تجريبي في جدة لتطبيق مزيج التصميم، وتقييم أداء الطريق تحت الأحمال المرورية الكثيفة، ونُفّذ المشروع التجريبي باستخدام البلاستيك المعاد تدويره من مصادر محلية، وتم تقييم الطريق بعد عام واحد من الخدمة، ووجِد أنه يعمل بشكل جيد في تلبية متطلبات درجة الحرارة، والأحمال في المملكة.
وبناءً على الخبرة المكتسبة من المشروع التجريبي والدروس المستفادة، تم تطوير مزيج تصميمي، ووضع نسب ومواصفات البلاستيك المعاد تدويره، وأضيفت إلى مجموعة المعايير الفنية للشركة. وقد شجع إنشاء تركيبة خليط الإسفلت بمعاييرها الراسخة على زيادة استخدام البلاستيك المعاد تدويره في سفلتة الطرق. بالإضافة إلى ذلك، أجرت أرامكو السعودية حملات توعية في مجتمعاتها الهندسية لمحترفي إدارة المشاريع، والمؤيدين، والمصممين لزيادة استخدام التركيبة في الشركة، وفي المملكة.
ونتيجة لجهود أرامكو السعودية، تم إنجاز عدد من عمليات الاستخدام فقد تم مؤخرًا استخدام التركيبة على نطاق واسع في طريق جديد بطول 12 كلم في مرفق الغاز في الجافورة التابع للشركة في المنطقة الشرقية، وهو قيد الخدمة، كما تم إنجاز نحو 10 % من استبدال مادة البيتومين الرابطة، باستخدام ما يقرب من 160 طنًا متريًا من البلاستيك المعاد تدويره.
وتهدف هذه الممارسة إلى تعزيز التدوير في سفلتة الطرق من خلال تقليل استهلاك المواد الخام، وإعادة إدخال النفايات البلاستيكية إلى انسياب الموارد.
طرق بأعلى جودة
وبالإضافة إلى توفير استخدامات مفيدة للبلاستيك المعاد تدويره، يؤدي هذا النهج إلى سفلتة طرق بجودة أعلى. وتتميّز الطرق المسفلتة بمواد بلاستيكية معاد تدويرها بخصائص فريدة مقارنة بتلك المسفلتة بالبيتومين التقليدي، إذ يعمل البلاستيك المعاد تدويره على تقوية الطريق، وتحسين مقاومته للتشوه (الحُفر) والتشقق (التآكل)، كما أنه يجعل الطرق تتحمل درجات الحرارة العالية في شبه الجزيرة العربية، ويساعدها على تحمّل حركة الشاحنات الثقيلة، كما يعزّز مقاومة الماء والانزلاق، ويوفر الثبات والسلامة.
ويُسهم استخدام البلاستيك أيضًا في استدامة الطرق من خلال زيادة الإطار الزمني للصيانة الدورية، من حوالي مرة كل أربعة أعوام إلى مرة كل سبعة أعوام.
إنّ إعادة استخدام البلاستيك ليس مجرد حل لإنشاء طرق جديدة، بل يمكن استخدامه كذلك في أعمال الصيانة والإصلاح، مما يُسهم في تقليل الكميات الحالية من النفايات البلاستيكية المحلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إعادة استخدام الإسفلت المحتوي على البلاستيك بعد انتهاء عمره الافتراضي، وإعادة إدخاله كمورد، وإعادة تدويره، وتحويله إلى منتجات جديدة.
وتُعد مبادرة أرامكو السعودية للطرق البلاستيكية جزءًا من برنامج أوسع تم إطلاقه تحت عنوان «مواد بناء منخفضة الكربون» لاستخدام النفايات الصناعية في مجموعة من أعمال الإنشاء.
وتشمل التقنيات الأخرى الجاري تطويرها لسلفتة الطرق؛ الإسفلت المطاطي، والإسفلت الكبريتي، وخليط الإسفلت الدافئ. وبينما يَستخدم الإسفلت المطاطي إطارات ممزقة مُعاد تدويرها لإنتاج الخرسانة الإسفلتية، يتميز الخليط الدافئ والإسفلت الكبريتي بالقدرة على خفض درجة حرارة الخرسانة الإسفلتية بمقدار 20 درجة مئوية تقريبًا مقارنة بالطرق التقليدية المستخدمة في إنتاج الإسفلت.
والخلاصة، فإن الهدف من هذه التقنيات هو تقليل استخدام الطاقة، وخفض الانبعاثات، والتوسع في إعادة استخدام المخلفات، والمحافظة على مواردنا الطبيعية، إذ إن استخدام البلاستيك المعاد تدويره يحسّن أداء الطرق، ويضيف قيمة اجتماعية، ويخلق فرصًا صناعية ووظيفية للمجتمعات المحلية، وهناك الآن حاجة إلى اعتماد هذه الأساليب الجديدة لبناء الطرق على نطاق واسع، وإدراجها في المعايير الدولية حتى يعتمدها المجتمع الهندسي على نطاق أوسع.
** **
- النائب الأعلى للرئيس للخدمات الهندسية في أرامكو السعودية