د. جمال بن حسن الحربي
في عالم تتسارع فيه الأحداث وتتنافس الدول على الانطباع والسمعة، لابد أن تهيأ الملاحق الإعلامية في الخارج لأن تكون منصات استراتيجية لصياغة الصورة الذهنية للدولة، ونقل رسالتها للعالم بشكل مباشر ومؤثر. التحدي اليوم ليس مجرد إيصال الأخبار، بل تقديم رسائل متكاملة تصل إلى الجمهور الدولي بوضوح، وتترك أثرًا طويل الأمد يعزز سمعة الدولة ويقوي حضورها على الساحة العالمية.
ولا شك أن منصات التواصل الاجتماعي مثل أكس وفيسبوك وإنستغرام أدوات رئيسية للملاحق الإعلامية في نشر الأخبار الرسمية وتصحيح المعلومات المغلوطة وبناء تواصل مباشر مع الجمهور، فعلى سبيل المثال، وظفت السفارة الأمريكية في فنلندا برنامج “Embassy Outreach Program”، الذي يتيح للمدارس والمجموعات الاستماع إلى دبلوماسيين أمريكيين للحديث عن مواضيع سياسية وثقافية، ما يعزز التفاهم بين الشعوب، هذه المبادرة تبرز قدرة الإعلام الرقمي على تجاوز الحدود السياسية والجغرافية وخلق قنوات حوار مباشرة، وهو نموذج يمكن للملاحق الإعلامية الأخرى الاستفادة منه.
ورغم ازدهار الإعلام الرقمي، تظل العلاقات مع وسائل الإعلام التقليدية حجر الزاوية في نشر الرسائل الرسمية بمصداقية عالية.
الملاحق الإعلامية التي تبني شبكة من الصحفيين والمحررين تستطيع تنظيم مؤتمرات صحفية ومقابلات مباشرة لتوضيح المواقف والرد على الاستفسارات. ومن تجربتي الشخصية، لعبت الملحقية السعودية الإعلامية في باكستان دورًا بارزًا في نقل صورة المملكة بشكل مهني وشفاف.
خلال تشرفي بالعمل مع فريق مميز هناك تعاملت الملحقية الإعلامية بالتواصل والتعامل المهني مع وسائل الإعلام المحلية لدى البلد المضيف بذكاء لنشر الأخبار الرسمية، وتنظيم فعاليات ثقافية وتعليمية التي تعكس التراث السعودي، مما يترك أثرًا إيجابيًا ملموسًا لدى الجمهور الباكستاني.
كما أن الثقافة والفن أصبحت أدوات فعالة للتأثير على الرأي العام الخارجي، فخلال الحرب الباردة، استخدمت الولايات المتحدة موسيقى الجاز كأداة دبلوماسية بإرسال فرق موسيقية إلى الدول الشيوعية لتعزيز التفاهم الثقافي وتحسين صورتها، وفي العصر الحديث، أحد مهام الملاحق الإعلامية تقديم فعاليات تعليمية ومعارض فنية ومهرجانات موسيقية تعكس التراث والثقافة المحلية، وهذا الدور برز في أنشطة الملحقية الإعلامية في باكستان، حيث كانت نشطة في تنظم فعاليات إعلامية وثقافية مما يعزز الصورة الذهنية الإيجابية للمملكة ويقوي أواصر التعاون الثقافي بين الشعوب.
بالإضافة إلى أن الرسائل الإعلامية الموجهة تتطلب صناعة متخصصة، ومن أهم الأدوات إستراتيجية صناعة المحتوى الإعلامي بأيدي أفراد جمهور الرسالة الإعلامية مما يزيد من فرص التأثير لمحاكات هذا الأسلوب لثقافة الجمهور المستهدف وتفضيلاته وتوقيته المستحب وغيره من عناصر مهمة.
كما تلعب الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية دورًا محوريًا في دعم الملاحق الإعلامية بمحتوى علمي دقيق وتحليلات موضوعية. برامج مثل “Global Media Makers” الأمريكية تربط صانعي الأفلام الدوليين بمحترفين أمريكيين، وتعزز التعاون الثقافي والإبداعي، ما يبرز الدولة كفاعل عالمي في مجالات الثقافة والفنون، كما يمكن لهذه الشراكات نشر دراسات وتقارير اقتصادية وسياسية، مما يعزز مصداقية الرسائل لدى جمهور متخصص ويزيد من تأثيرها في النقاشات الدولية.
نجاح الملاحق الإعلامية يعتمد على تقييم مستمر لتأثير رسائلها، أدوات التحليل الرقمي، ورصد التغطية الإعلامية، وقياس ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي تساعد على تعديل الاستراتيجيات وضمان وصول الرسائل بفعالية للجمهور المستهدف، ومواكبة التغيرات السريعة في البيئة الإعلامية العالمية. هذه العملية ليست رفاهية، بل عنصر أساسي لاستدامة التأثير ورفع مستوى المصداقية.
الملاحق الإعلامية في الخارج ليست مجرد مكاتب رسمية، بل منصات استراتيجية تصنع الصورة الذهنية وتوصل الرسالة وتبني الثقة.
تجربتي الشخصية في الملحقية السعودية الإعلامية في باكستان أكدت لي أن التخطيط الإعلامي المهني، والتواصل الثقافي الموجه، والشراكات البحثية المدروسة، كلها أدوات أساسية لتحقيق حضور قوي وفاعل على الساحة الدولية، من خلال الدمج بين الإعلام الرقمي، والعلاقات الإعلامية التقليدية، والدبلوماسية الثقافية، والشراكات البحثية، والتقييم المستمر، يمكن للدولة صناعة رسالة واضحة ومؤثرة للعالم، وتعزيز سمعتها الدولية بشكل مستدام.