د.محمد بن سليمان القسومي
من الظواهر التي لفتت الأنظار في معارض الكتب وبعض المناسبات الثقافية العربية التي يحضرها الكاتب أسامة المسْلِم، تلك الحشود الشبابية العربية من الجنسين التي تـتجمع، فتحيل المكان ميدان عراك، المنتصر فيه من يصل إلى الكاتب ويحظى بتوقيعه.
وقد كتبتُ تغريدة في حسابي على منصة ×، قلتُ فيها: «يبدو لي أن من أسباب نجاح الكاتب أسامة المسْلِم في إثارة القراء الشباب؛ أنهم كانوا مُهَيـَّئين منذ الطفولة للاستمتاع بفضاءاته المرعبة وشخصياته المدهشة؛ فقد نشؤوا وهم يتابعون (الأفلام الكارتونية) بعوالمها العجائبية وحكاياتها السحرية».
وحَظِـيْتُ بعد نشر هذه التغريدة بتشجيع الطود الشامخ أستاذي أ.د. عبدالله الغذامي، إذ يقول: «تستحق تغريدتك أن تحولها لمقال، فيها التفاتة ذكية، غابت عن كثيرين، وأنا منهم». هكذا هم الكبار؛ إنه الغذامي وكفى!
وعلى ذلك؛ يمكن القول: إن (أفلام الكارتون)، كانت البذرة الأولى التي غرست في أبناء هذا الجيل ميلاً نحو الخيال، وشيئاً من الحنين إلى عوالم، كانوا يعيشونها عبر الشاشة، كان لها أثر كبير في تشكيل الذائقة الأدبية لديهم. تلك الأفلام بما فيها من العجائب والغرائب، عززت الخيال، وهيّأت نفوسهم لتقبل الغموض واللامعقول.
وهي حالة ثقافية تستحق النظر؛ لأنها تعبر عن ثقافة جيل، أصبحت ذائقته الأدبية، تستلذ الخيال، وهي في الوقت نفسه، تؤكد قدرة الأدب على وصل هذا الجيل من الشباب بطفولته عبر الخيال، وتكشف أن تلك الأفلام لم تكن ترفيهاً للطفل فحسب، بل بذرة نمت حتى أصبحت شغفاً بالرواية العجائبية التي تثري الخيال، وتفتح آفاقاً جديدة للتفكير والتأمل.
ولم يقتصر ذلك على المتلقين من الشباب، بل أصبح ناشئة الكُتّاب، يميلون إلى هذا اللون من الكتابة. وقد عجبت وأنا أحكّم مسابقة -لطلاب وطالبات الجامعات السعودية- من القصص الكثيرة، القائمة على عوالم عجائبية وغرائبية. وهذا يؤكد أنها ثقافة جيل، تشمل متلقي هذا النوع من الأدب، ومبدعيه.
وكان المسْلِم موفقاً في اصطفاء الأسلوب الأمثل لمخاطبة هذا الجيل بأفكار تحاكي ما أحبه في طفولته. يخاطب هذه المرحلة العمرية التي تستوعب أفكاره، وتستمتع بها؛ لما تجد فيها من مغامرات، تذكرها بذلك الحس الطفولي الذي عاش الدهشة فيما كان يتابعه ويستمتع به، وهو اليوم يتلقاها بعقل أكثر نضجاً وقدرة على استيعاب ما فيها من عوالم خيالية، قائمة على تجاوز حدود الواقع.
وقد تزدان الرؤى والمشاهد حينما يعمد المسْلِم المزج بين التراث والخيال العلمي، بلغته السهلة، الممتعة، المناسبة لهذه الفئة العمرية الشغوفة بما يبثه من أفكار، تلائم اهتماماتها العاطفية وحاجاتها النفسية.
وخلاصة القول: إن هذا القرب من ذائقة الشباب، مكّن المسْلِم من خلق تجربة روائية ممتعة، ذات بعد نفسي؛ لأنها تحرك في المتلقي الشاب شيئاً من الحنين إلى الطفولة وتلك العوالم التي عاشها عبر الشاشة، ويعيشها اليوم بوسيلة ورؤية أكثر عمقاً؛ لأنه في مرحلة عمرية، تستوعب الأبعاد المختلفة للعمل الفني الذي تتلقاه، الذي لا يقتصر أثره على الجانب الترفيهي، بل يفتح أمامه نوافذ، يستمتع من خلالها بمعرفة الأساطير العربية والعالمية، ويزداد ثقافة بتراثه والعالم من حوله.