د. إبراهيم بن جلال فضلون
قال «الصديق الأول» السابق لترامب على منصته التي اشتراها وبدل حالها لحال قاتلاً العصفور الأزرق (تويتر سابقاً) منعشاً إياه بولده المثير للجدل ولا يزال طفلاً متحدياً رئيس أمريكا بقوله: «أنت لست رئيس أمريكا»، إنه «إكس» والتي يملكها مغرداً: «عندما يتعلق الأمر بإفلاس بلدنا بالإسراف والفساد، فإننا نعيش في نظام الحزب الواحد، وليس في ديمقراطية، اليوم، تأسس حزب أمريكا ليعيد لكم حريتكم»..
لقد تبنى ماسك وترامب آراءً متشابهة بشأن القضايا الاجتماعية المعاصرة. لكن ماسك جادل برأيه بأن أجندة السياسة الجمهورية ستزيد الدين، واصفًا إياها بـ»عبودية الديون»، ليأتي الحول بالتوتر بين «الحمار للحزب الديمقراطي والفيل للحزب الجمهوري» اللذين يحكمان الولايات المتحدة منذ عقود، ليقطع طريقهما تأسيس حزب ثالث لإيلون ماسك خط النصر الأول لترامب في الانتخابات الأخيرة، وصفهُ الشعبوي ترامب بأمر سخيف.. بينما التصق الحزبان الأولين بهذين الرمزين في القرن 19، بارزين في قلب ساحة السياسية الأمريكية، كعلامات فارقة تعكس هوية الحزبين ومواقفهما.
لقد اعتاد الرئيس الأمريكي الهجوم أولاً دون معرفة العواقب التالية، حيث دلّلت المواقف السياسية الأخيرة له ولقراراته أن تكون متناقضة، ليُعلن معارضته للحرية الأمريكية المصطنعة: «لقد كان النظام دائماً قائماً على حزبين، وأعتقد أن تأسيس حزب ثالث يزيد فقط من الارتباك»، ولاحظوا أن الكلمة الأخيرة هي سيدة المشهد الأمريكي لاسيما بعد مجيء إدارة ترامب لسكن البيت الأبيض الذي حول قراراته المُشخصنة لحرب أهلكت ودمرت المجتمع الأمريكي، ومنتقداً ماسك: قائلاً «يمكنه أن يتسلَّى بذلك قدر ما يشاء، لكنني أعتقد أن هذا أمر سخيف».
فطالما تعرض نظام الحزبين في الولايات المتحدة لانتقادات من الديمقراطيين والجمهوريين المسجلين، جاءت جهود كبيرة خلال القرن الماضي لتشكيل حزب ثالث لم يُحقق نجاحًا يُذكر، إذ سبق وترشح الملياردير روس بيرو للرئاسة كمستقل عام 1992، وفاز بما يقرب من خُمس الأصوات الشعبية، لكنه لم يحقق أي فوز في أي ولاية في الانتخابات التي فاز بها، بيل كلينتون. لنرى الأعجب للرمزين تاريخياً أن هذه الرموز ليست مجرد شعارات، بل تحمل في طياتها تاريخاً عريقاً وقصصاً لها أبعاد ومعانٍ، حيث أصبحت هذه الحيوانات مرآة تعكس القيم والسياسات والأهداف التي يسعى كل حزب لتحقيقها، ليأتي للعلن حزب ماسك الثالث بعد صفعة سياسية مدوية بخسارة مرشحه، براد شيميل، أمام القاضية سوزان كروفورد في السباق نحو مقعد المحكمة العليا في ولاية ويسكونسن. وهو ما عزَّز أجندة ترامب، وأبرز تساؤلات بشأن جدوى تسخير ثروته في دعم حظوظ الحزب الجمهوري في أي انتخابات مستقبلية.. كان يدعمه ماسك بأكثر من 290 مليون دولار في حملة الجمهوري الرئاسية السابقة، وقاد «لجنة الكفاءة الحكومية» لخفض الإنفاق الفدرالي، وكان ضيفاً دائماً على المكتب البيضاوي، مغادراً بعد صدام علني مع «لجنة الكفاءة الحكومية» في مايو الماضي للتركيز على إدارة شركاته، ليتجدد الصدام بين الرجلين اللذين كانا حليفين بشأن مشروع قانون الميزانية الذي اقترحه الرئيس على الكونغرس وأقره الأخير.. ليأتي التنفيذ في اليوم التالي للتوقيع على «قانون دونالد ترامب الكبير والجميل»، بإعلانه عن تأسيس «حزب أمريكا»، لكن فشل ماسك في ويسكونسن يعكس تراجع تأثير ترامب على الناخبين ويهدد حظوظ الجمهوريين في الانتخابات النصفية القادمة، ويعطي مؤشراً على تراجع تأثير التحالف بين المال والسياسة في كسب ثقة الناخب الأمريكي.. الذي نزل بجميع الولايات الخمسين لاحقاً، معلناً الاحتجاج الكبير تحت شعار «ارفعوا أيديكم» شاركت فيه منظمات حقوقية ونقابات عمالية ومقاتلون قدامى، مستنكرين سياسات ترامب وممارسات ماسك، التي مست الاقتصاد، والهجرة وحقوق الإنسان.
وأخيراً: هل يا تري سنرى وجهاً آخر لم نراه لإيلون ماسك؟ أم أننا سنرى دماء الأمريكيين في حرب أهلية جديدة على يد الفتوة ترامب ونتينياهو.