د. سامي بن عبدالله الدبيخي
مكة مدينة مقدسة اختارها الله لتكون مركزًا للعبادة والتوحيد. فعلاوة على احتضانها أول بيت وُضع للناس، بيت الله الحرام، فهي مهوى أفئدة ملايين المسلمين يأتونها من كل فج عميق لأداء مناسك الحج والعمرة {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}.
فقد حباها الله تضاريس جبلية فريدة تحيط بها من كل جانب لتشكل حماية طبيعية لها {وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}، أي حصونًا جغرافية منيعة ضد العواصف والرياح وعنصر حماية لهوية المدينة وتثبيت لشخصيتها ضد عوامل الزمن وتعاقب الحضارات.
كما خص سبحانه مكة المكرمة بنعمة الأمن والأمان بأن جعلها محمية ربانية وحَرَمًا آمنًا يحرم فيه القتال وسفك الدماء، كما قال تعالى: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا}. هذه المحمية الربانية لا تقتصر فقط على توفير الأمان المادي، بل تتعداه لبعث الأمان الروحي والسكينة النفسية التي يستشعرها كل مسلم يحظى بفرصة زيارة هذه الأرض المقدسة.
مكة المكرمة ليست مكانًا للمشاعر المقدسة وتأدية المناسك التعبدية فقط، بل هي أيضًا متحف مفتوح يحكي قصص الأنبياء وبزوغ نور الإسلام. فكل موطئ قدم في جبالها ووديانها يعج بذكريات الأنبياء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، والنبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم. فالحفاظ على هذه التضاريس بجبالها ووديانها هو حفاظ على هذا المتحف المفتوح وما يرويه من حضارة أمة وتراث عريق يشكل شخصية المدينة وهويتها ويضفي عليها طابعها الروحاني الفريد.
إن جبال مكة ليست مجرد صخور صماء بل هي إرث حضاري مشبع بالأحداث التاريخية والدينية التي تراكمت فيها عبر قرون طويلة. يُضاف لهذا الإرث الضخم احتضانها لمنطقة الحرم والمشاعر المقدسة مما يجعلها تشع روحانية وقدسية لها وقع مميز في نفس كل مسلم.
بهذا المعنى فإن مكة بجبالها ووديانها ليست مجرد محمية طبيعية بل هي أيضاً محمية ربانية ترعاها العناية الإلهية ومن ثم ولاة أمرنا حفظهم الله.
من هنا، فإنه من الأهمية بمكان الحفاظ على بعض هذه التضاريس الجبلية التي تجسد الطابع الروحي والتاريخي للمدينة بحمايتها من ضغوط التوسع العمراني السريع واقتصار التوسع على ما ليس لها تاريخ من هذه الجبال حفاظاً على هوية مكة وشخصيتها بالمحافظة على بعض جبالها ووديانها.