د.شريف بن محمد الأتربي
«الحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها»، عبارة وجيزة اختصرت كل ما يتعلق بالمعلومة وأهميتها. فالراغب في التفوق والتقدم عليه بالمعلومة، بل عليه بالمعلومة الصحيحة. لذا فهو مكلف بالبحث عنها، والتأكد منها، والاطمئنان إلى صحتها، حتى لا يقع في شرك المعلومة المزيفة، أو أشباه المعلومات التي لا تغني ولا تسمن من شره الرغبة في المعرفة.
مع تطور وسائل الاتصال، ووسائل التواصل، والتقنيات، والتحول نحو المجتمعات الرقمية، أصبح الوثوق في صحة المعلومة يحتاج إلى تحليل DNA، حتى يتأكد الباحث أنها ابنة شرعية للمنسوبة له، وأنها هي نفسها من بنات أفكاره وعصارة جهده وعمله، خاصة مع ظهور أشباه الموصلات المعلوماتية.
أشباه الموصلات هي مواد ذات خصائص كهربائية تتوسط بين الموصلات (مثل النحاس) والعوازل (مثل الزجاج)، حيث توصل الكهرباء في ظل ظروف معينة، ويمكن التحكم في توصيليتها بإضافة شوائب (عملية تسمى التطعيم). تُستخدم هذه المواد على نطاق واسع في تصنيع الأجهزة الإلكترونية مثل الترانزستورات والدوائر المتكاملة (الرقائق الإلكترونية)، التي تشكل أساس أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية والأجهزة المنزلية.
حين نشبه بعض أصحاب المعلومة بأنهم مثل أشباه الموصلات، فالهدف هو توضيح الخطر الذي يقع على متلقي المعلومة من هؤلاء الأشخاص؛ فلا هو يقدر على إنكارها، فهي شبه صحيحة، ولا يمكن أن يؤكد صحتها، فهي ليست كاملة الأركان العلمية للمعلومة. لذا، فالمتلقي هنا غالبًا ما يقع في حرج بين استخدام المعلومة أو لفظها.
كلما كان مدّعي المعرفة، أو ما نسميه هنا أشباه الموصلات، أكثر ذكاءً ولديه مقدار من القدرة على النقاش، كان الضرر أعمق. فهم يمكنهم التكيف مع المحادثات والمواقف الاجتماعية، لكن غالبًا ما يكون ذلك في إطار محدود، وغالبًا ما يتظاهرون بمعرفة الأمور لكنهم يتجنبون التعمق في التفاصيل أو مواجهة الأسئلة الصعبة.
إن مدّعي المعرفة لهم تأثير سيئ على المجتمع، فهم يساهمون في نشر معلومات غير دقيقة أو وجهات نظر سطحية، مما يعوق النقاشات البناءة ويؤدي إلى تضليل الآخرين، خاصة أولئك الذين لا يملكون مفاتيح الوصول إلى المعرفة الصحيحة من مصادرها الموثوقة. لذا، فإنه من الضروري أن تتبنى الجهات ذات العلاقة منهجية محددة، وتضع استراتيجية واضحة لتحجيم هؤلاء الأشباه المعلوماتيين، والتحول نحو مجتمع معرفي يساعد الفرد في الحصول على وجبته المعلوماتية بسهولة ويسر، وهو مطمئن تمام الاطمئنان أنه لن يصاب بتسمم معرفي، ولا يصعق بصاعقة كهربائية من مصادر كان يحسبها ساكنة كهربائيًا.