د. رانيا القرعاوي
عندما دخلتُ قسم الصحافة في الجامعة كانت عبارة «الصحافة هي المسودة الأولى للتاريخ» من العبارات التي حفرتها ذاكرتي وقتها أدركتُ أن الإعلام لا يكتفي بنقل الحقائق بل يُشكّل الوعي قبل أن يُدوّنه التاريخ.
في 5 سبتمبر 2025 حذّرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO من أن حرائق الغابات باتت تُلوّث الهواء بكمية جسيمات تعادل ما ينبعث من الوقود الأحفوري والنقل والزراعة مجتمعة هذا التحذير يُبيّن أن الخطر لم يعد بعيدًا عنّا وأن مواجهة هذه الأزمة أصبحت ضرورة وطنية ملحّة.
كما أفاد تقرير صادر في 4 سبتمبر 2025 عن World Weather Attribution بأن الظروف المناخية التي أدت إلى الحرائق المدمرة في شبه الجزيرة الإيبيرية أصبحت أكثر ترجيحًا بمقدار 40 مرة نتيجة تأثير التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري هذه الأرقام تكشف أن التغير المناخي لم يعد قضية عالمية بعيدة بل واقعًا يؤثر على الجميع.
وفي هذا السياق تقود مبادرة السعودية الخضراء جهودًا طموحة لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة خفض الانبعاثات والتشجير وزراعة 10 مليارات شجرة وحماية الأرض والطبيعة من خلال تأهيل ما بين 40 إلى 74 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة وتوسيع المساحات المحمية لتشمل 30 % من مساحة البلاد.
هذه المبادرات النوعية لا تعمل فقط على إعادة الحياة للبيئة بل تُشكّل درعًا أخضر يبطئ تأثير الحرائق ويحسّن جودة الهواء ويحدّ من آثار التغير المناخي عالميًا.
يبقى السؤال الأهم كيف يتعامل الإعلام مع قضايا البيئة هل يظل مجرد مناسبة موسمية نحتفل بها في 27 مارس من كل عام ثم نعود لنتجاهلها حتى العام التالي.
الإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار بل هو صانع للتصورات والوعي الجمعي نحن بحاجة إلى رسالة استراتيجية تُبرز أن المملكة لا تكتفي بالاحتفال بالمبادرات البيئية كغيرها من الأيام العالمية بل تعمل بجد على تثقيف المجتمع والتركيز على الحلول الوطنية بدلًا من الاكتفاء برواية حجم الكارثة.
ولعل أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو التعاون بين وزارتي البيئة والتعليم لنشر الوعي البيئي بين الطلاب وتعزيز سلوكيات الاستدامة عبر دمج القضايا البيئية في المناهج الدراسية وتنظيم الأنشطة التفاعلية والفعاليات التوعوية وتوجيه الطلاب نحو ممارسات مسؤولة مثل ترشيد استهلاك الطاقة وتقليل النفايات.
إننا لا نسمع صوت الغابات حين تحترق، لكننا نسمع صوت الإعلام وهو يروي القصة وهنا عليه أن يكون صوت الوعي والتنمية لا مجرد شاهد على كارثتها فمستقبلنا الأخضر لن يُكتب بالشعارات والاحتفال بالمناسبات بل بالوعي والعمل الجماعي.