عبدالله إبراهيم الكعيد
هذه خلاصة الخلاصة للتفكير الناقد وعلاقته بالتقنية كما يراها المهندس الأوكراني المقيم في ألمانيا السيد ايغور كرافتشوك رداً على مقال سابق في هذه القافلة بعنوان (التفكير الناقد) يقول: لقد جعلني مقالك أفكّر بعمق أكبر. كانت فكرتك قوية ودقيقة لدرجة أن (مساعدي الرقمي) أثناء تحليله لها ارتكب ما يُمكن تسميته « خطأ إبداعياً « لقد كان على يقين تام بأن نصك لا بد وأن ترافقه صورة، فوصفها لي بأدق التفاصيل وكأنه يراها رؤيا العين. كان وصفه مقنعاً لدرجة أني لم أستطع إلاّ أن أُجسّده في الواقع.
ثم أرفق المهندس كرافتشوك صورة في الجانب الأيمن منها دلّة صفراء وفي جانبها الأيسر آلة صنع قهوة (اسبريسو) وكتب مواصلاً تعليقه بالقول: أنت على حق تماماً، التكنولوجيا تحمل في طياتها الحمض النووي للثقافة التي أبدعتها.
لكني كمهندس أنظر إلى هذا المشهد ولا أرى صراعاً، بل أرى خياراً. القوة الحقيقيّة ليست في رفض آلة الإسبريسو خوفاً من فقدان الهوية، بل في إخضاعها لإرادتنا، في جعلها تعمل وفقاً لقواعدنا ولتحقيق أهدافنا مع الحفاظ على الدلّة التقليدية.
من رد السيد ايغور (وهو بالمناسبة يستعين بالترجمة للغة العربية ببرنامج ذكاء اصطناعي من تصميمه) يتضح ميلاً نحو دمج فكرة استخدامات العقل البشري في التفكير الناقد مع العقل الرقمي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ذلك الدمج يبرز جلياً بتسميةِ (المساعد) يعني وكيله الرقمي الذي قام بتصميمه ومشاركته حوارات فكرية والاستماع الى ردوده.
أوجد صاحبنا مع مساعده الرقمي علاقة بين التفكير الناقد والحفاظ على الهوية المحلية (الوطنية)، فالتفكير الناقد من وجهة نظره يجعل بمقدور الفرد التمييز بين المحتوى الرصين الصادق والآخر المضلل، وهو ما يؤدي الى حمايته من الوقوع في فخاخ حملات التشويه وضخ المعلومات الكاذبة التي تستهدف وحدة الأوطان، أمنها واستقرارها.
ممارسة التفكير الناقد يرفع مستوى وعي الفرد بقيمة وطنه خصوصاً حينما يبدأ في مقارنة ما تحقق في بلاده من منجزات تفوق ما هو موجود في بلدان كثيرة وهذا لا يتم إلا بالانفتاح على العالم والاطلاع على هويات البلدان والاسترشاد بما ينفع منها دون الذوبان في ثقافاتها.
صفوة القول: تلميح المهندس الأوكراني ايغور كرافتشوك ومساعده الرقمي بعدم وجود خصومة بين التفكير الناقد والهوية الوطنية دليل على أن التقنية مهما تطورت ونضجت أدواتها إلا أنها لا يمكن أن تًخضع الإنسان ليكون مسيّراً رغم أنفه تتحكم في مصيره بل يظل السيد المُطاع والصانع المُبتكر.