د.عبدالرحيم محمود جاموس
في سابقة تعيد إلى الأذهان ما جرى عام 1988 مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، صوّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة على نقل جلستها المقررة في 22 سبتمبر من نيويورك إلى جنيف.
القرار جاء بعد أن أقدمت الولايات المتحدة على رفض منح تأشيرات دخول للرئيس الفلسطيني محمود عباس وعشرات المسؤولين الفلسطينيين، في انتهاك صارخ لاتفاقية مقر الأمم المتحدة لعام 1947 التي تُلزم الدولة المضيفة بتمكين جميع الوفود المعتمدة من الوصول دون عوائق.
الموقف الأمريكي يمثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، ومحاولة فجة لإسكات الصوت الفلسطيني في المحفل الأممي، بذريعة «الأمن القومي» وادعاء أن السلطة الفلسطينية «تقوض جهود السلام» عبر توجهها إلى المحاكم الدولية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها في غزة. غير أن هذا التبرير لا يخفي الحقيقة الجوهرية: واشنطن تواصل توظيف موقعها كمضيف للأمم المتحدة لخدمة إسرائيل، حتى وإن كان ذلك على حساب شرعية المؤسسة الدولية نفسها.
أهمية قرار الجمعية العامة تكمن في دلالاته السياسية والقانونية.
فهو أولاً يؤكد رفض المجتمع الدولي لتفرد واشنطن وازدواجيتها، وثانياً يتيح للرئيس الفلسطيني أن يخاطب العالم من منصة الجمعية العامة دون عراقيل، وثالثاً يعيد التذكير بقدرة الأمم المتحدة على تجاوز التعطيل الأمريكي عبر آلية «التوحد من أجل السلام» التي تخولها اتخاذ خطوات عملية عند انسداد أفق مجلس الأمن.
القرار، الذي لم تعارضه سوى الولايات المتحدة وإسرائيل، فيما امتنعت بريطانيا عن التصويت، يعكس عزلة سياسية متزايدة لواشنطن وتراجع قدرتها على فرض إرادتها داخل المنظمات الدولية.
وقد وصف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الموقف الأمريكي بأنه «غير عادل»، بينما دعت فرنسا إلى التراجع عنه فوراً، فيما اعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن سلوك واشنطن يقوض أسس الحوار الدولي.
إن نقل الجلسة إلى جنيف ليس مجرد إجراء شكلي أو لوجستي، بل هو حدث سياسي وقانوني بالغ الأهمية: إدانة واضحة لسوء استخدام الولايات المتحدة لمكانتها، وانتصار لحق الشعب الفلسطيني في التمثيل والدفاع عن قضيته أمام المجتمع الدولي.
كما أنه مؤشر إلى أن الهيمنة الأمريكية لم تعد مطلقة، وأن القانون الدولي ما زال يملك القدرة على فرض نفسه حين يتوفر الإرادة الجماعية للدول الأعضاء.
بهذا القرار، أعادت الجمعية العامة الاعتبار لرسالتها، وأكدت أن فلسطين ستظل حاضرة في ضمير العالم، مهما حاولت واشنطن وتل أبيب تغييب صوتها.