إيمان حمود الشمري
هل حدث وأن فكرت في شيء ووجدت هاتفك المحمول يعرضه عليك في مقطع أو صورة حتى قبل أن تبحث عنه؟ قبل أن يكون له علاقة بالخوارزميات!! هل هاتفك المحمول قادر على قراءة الإشارات العصبية في دماغك وترجمتها حتى قبل أن تتلفظ بها؟
هل نحن مخترقون حقاً إلى هذا الحد؟، أسئلة كثيرة تدور برأس كل منا عندما يفاجئك الذكاء الاصطناعي بفهمك وتحليل ميولك ونفسيتك أكثر من البشر!! فقبل خمس سنوات كانت حياتنا أكثر خصوصية وغموضاً واليوم نحن نسلم بياناتنا دون أن نعي بحجة التسلية لشيء مبهم لا نعلم إن كان عدواً أم صديقاً.
يقول الدكتور سعود المهيدب، أستاذ الذكاء الاصطناعي ومؤسس مركز الذكاء الاصطناعي للتدريب وأكاديمية الروبوت: أن العلم وصل لمراحل متقدمة إلا أنه حتى الآن لم يصل لقراءة ما في العقل البشري قبل أن نبوح به، ولكن من الممكن للذكاء الاصطناعي أن يكتشف أنماطنا عن طريق مراقبة سلوكنا في التعامل مع «الجوال» فتتشكل لديه طريقة تفكيرنا، ثم يقارنها بالأنماط التي تشبهنا، ليتعرّف على ما لم نبده له بعد من خلال تلك الأنماط التي تشبهنا، فيعرض علينا ما ينسجم معنا سواء كصور أو مقاطع فيديو أو غيرها.. فنحن نتحدث عن عالم لا خصوصية فيه، فالناس تسير مكشوفة تماماً، لأن أنماطنا تتشكل بطلباتنا وأسئلتنا، وبالطبع لن نستطيع الإفلات من ذلك لأننا نحتاج للتعامل مع التكنولوجيا في حياتنا اليومية، وكلما تعاملنا معه أكثر تأكدت له أنماط صفاتنا أكثر.
ويضيف د. المهيدب: لذا فنحن منتهكون! فالاختراق تغيّر مفهومه مع تطور العلم، ففي السابق كان الاختراق عبارة عن هاكر يتجسس علينا أو يرمي لك فايروس في حاسوبك أو هاتفك المحمول، أما اليوم فنمط الاختراق هو أن تتشكل شخصياتنا وتكون مكشوفة لمن يملك الذكاء الاصطناعي، فهو لا يحتاج إلى اختراقنا لأننا نقدّم له شخصياتنا على شكل حاجاتنا، لذا يقول الكثير من كبار العلماء والمسؤولين: أن من يملك رياضيات الذكاء الاصطناعي سيملك العالم، فهو يستخدم نُظم الاحتمالات وهي أحد علوم الرياضيات، لذلك لو كنت أملك قراراً، لوضعته في مناهج الرياضيات، فإذا تمكّن منه أبناؤنا، سيكون كمنحة لا مصدر تهديد للجيل القادم، فالعلم يتطور وسوف ننتقل إلى عالم غريب مع تلك القفزات العلمية غير المسبوقة.
هناك مقولة شهيرة تقول: «هل نقتل العلم ليعيش الإنسان، أم نقتل الإنسان لينمو العلم»!! فحتى لا نكون سلبيين، لا بد أن نعترف أنه من الطبيعي أن تزداد المخاطر مع ازدياد الأدوات، ولو لم نتعاطى مع تلك الأدوات والمعدات لن نتقدم، فمثلاً لن نسافر بالطائرة خوفاً من سقوطها، ولن نستخدم السيارات تلافياً للحوادث والاصطدام، وهكذا الحال بالنسبة للتكنولوجيا التي سهلت حياتنا، ومنحتنا الكثير من المكاسب، لذلك هناك خط رفيع يشكّل طريقة التعامل مع تلك الثورة العلمية ويرسم حدودها، كلاً يضعه بحسب ثقافته.
انتهت الأسئلة.. ولم تنته التساؤلات بعد، فكل يوم تزداد علامات الاستفهام حول الذكاء الاصطناعي الذي يعمل وفق نظام احتمالات، تزداد تأكيداً وتصبح أكثر دقة بتطور النظريات، ويبقى الذكاء الاصطناعي بريئاً من كل التهم، فهو لا يتعمد أذيتنا، ولا يضلل الحقيقة، وإنما يبوح بما يتم تغذيته فيه، فالخطورة ليست فيه وإنما فيمن يملكه، فإما أن يجعل منه منجماً من ذهب أو بركاناً ثائراً يُفسد ما حوله.
* شكر خاص/ للدكتور سعود بن محمد المهيدب.