خالد الدغيم
من يتأمل توجهات رؤية المملكة 2030، يُدرك أن المملكة لا تسير نحو المستقبل فحسب، بل تصطحب معها كل ما يُعبّر عن هويتها الوطنية العريقة، وتاريخها الممتد في عمق المكان والزمان.
وقد وضعت الرؤية خططًا تنموية مدروسة للاستثمار في الموروث التاريخي والثقافي، ليس فقط كجزء من حفظ الذاكرة، بل كمسار اقتصادي وثقافي واجتماعي يعزز من جودة الحياة ويصنع فرصًا للأجيال القادمة.
إن البعد التاريخي لأي مكان أو مجتمع ليس مجرد سردٍ للوقائع، بل هو ركيزة أساسية لصناعة الهوية الوطنية، وتحقيق الانتماء، وبناء المستقبل بثقة، والمملكة، بفضل الله ثم بقيادتها الرشيدة، بدأت فعليًا في تحويل هذا البعد إلى مشروعات ملموسة ، من خلال إعادة إحياء القرى التاريخية، وتطوير المواقع الأثرية، ودعم الفعاليات الثقافية، وإطلاق المواسم السياحية، وإنشاء المتاحف والمنصات الرقمية التي تربط الأجيال بتاريخهم، وتُعرّف العالم بكنوزنا الحضارية.
ومن هنا جاء برنامج جودة الحياة كواحد من أبرز البرامج التي تُجسّد هذا التوجه، حيث لا تقتصر أهدافه على الترفيه، بل تمتد لتشمل تنمية الإنسان والمكان، وتمكين الثقافة، وتحقيق التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
ولعلّ ما نشهده اليوم من ملتقيات ثقافية كملتقى الشنفرى وغيره ، يبرهن على أن التاريخ لم يعد حبيس الكتب، بل أصبح منصةً للإبداع، ومساحةً للفرص، وركيزةً للاستثمار في الإنسان والمكان.
ونحن اليوم، وفي هذا المفصل التاريخي الذي تعيشه بلادنا، مطالبون بأن ننظر إلى المستقبل بوعي أوسع ، وألا نتقوقع في نظرة ضيقة تعتبر التاريخ تراثًا جامدًا. بل يجب أن نراه كما تراه الرؤية فرصة اقتصادية وثقافية وتنموية. كما أن من حق الأجيال القادمة علينا أن نُهيئ لهم بيئة يجدون فيها تاريخهم محفوظًا، ممكّنًا، وقابلًا للبناء عليه. فالشباب السعودي اليوم لا يبحث فقط عن وظيفة، بل عن دور، وانتماء، ومكان يُعبّر فيه عن ذاته في ضوء هويته.
إن الدولة، من خلال رؤية 2030، وضعت الأساس، وخططت المسار، والكرة الآن في ملعب الجهات التنفيذية، والمجتمعات المحلية، والمبدعين والمثقفين، ليكملوا المسيرة، ويحوّلوا هذا التاريخ إلى مشروعات حية، وفرصٍ عملية، وتجارب تُمكّن الإنسان وتخدم الوطن.
باختصار، الاستثمار في بُعدنا التاريخي، هو استثمار في هوية وطن ومستقبل أمة.
** **
- رئيس الجمعية السعودية للإعلام السياحي