عبد العزيز الهدلق
في تقديري، أن النتائج التي انتهى إليها فريق مشروع توثيق تاريخ كرة القدم السعودية جاءت غير موضوعية، فقد وقع فريق المشروع في عدد من الأخطاء المنهجية والموضوعية، بما جعلها لا تعكس حقيقة مسار التاريخ الكروي السعودي منذ بدايته.
وقد تسببت المعايير التي تم ابتكارها، ولم تسمع من قبل، والتي تم اعتمادها والأخذ بها في ارتكاب تلك الأخطاء بحق تاريخنا الكروي. فتلك المعايير (غير الموضوعية) حولت (13) بطولة كأس ملك إلى بطولة دوري وزعت بين الأندية!
فاعتبار بطولة كأس الملك المعظم في بداياتها بطولة دوري لأنها كانت تُقام بنظام النقاط! تجاوز غير مبرر على مسمى البطولة التي يؤكد نظامها أنها تُقام على كأس جلالة الملك المعظم. وبالتالي فهي بطولة كأس ملك وليست دوري بأي حال من الأحوال. فلا يمكن إسقاط مفاهيم اليوم في عام 2025 لتنظيم البطولات على بطولات أقيمت بمفاهيم قبل سبعين عاماً. ففي تلك الفترة كان طبيعياً أن تكون العبارات والمفردات غير دقيقة وفقاً لثقافة تلك المرحلة. فمثلاً دورة الخليج العربي التي انطلقت عام 1970 في دولة البحرين، قبل أكثر من خمسين عاماً سُميت دورة، فيما هي بطولة فقط! ومعلوم اليوم ماذا تعني كلمة دورة رياضياً! ومع ذلك بقي المسمى كما هو لم يتغيَّر، رغم عدم دقته، احتراماً للبطولة وتاريخها.
وكذلك بطولة دوري أبطال آسيا مرت بعدة مراحل وأطوار ونظم وكانت لائحتها تتغيَّر في كل مرحلة حسب متطلبات المرحلة، ما بين تجمع، إلى ذهاب وإياب، إلى شرق وغرب، ثم ذهاب وإياب وتجمع في النهائيات كما يحدث حالياً. ومع ذلك بقيت كل مرحلة امتداداً لما قبلها، وكلها بطولة واحدة.
لذلك فإن تغيير مسمى بطولات كأس الملك التي أُقيمت في تلك البدايات إلى دوري خطأ جسيم ارتكبه فريق التوثيق! وكان من تبعات هذا الخطأ أن مجموع البطولات لكل ناد من الأندية قد اختل! فزاد عدد الدوريات لبعض الأندية ونقص عدد كؤوس الملك! وهذا خطأ فادح في حق الأمانة التاريخية!
وكيف غابت المعايير الدقيقة عن بطولة كأس الاتحاد، الذي أطلق عليه فيما بعد مسمى كأس الأمير فيصل بن فهد، وتم اقتصار المشاركة فيها في مرحلة أخرى على اللاعبين تحت (23) سنة! فما هو المعيار الذي استند عليه فريق التوثيق لاحتسابها دورياً؟!
كما أن بعض البطولات مثل كؤوس الملك أو دوريات وزارة العمل التي كانت تُقام في فترة الثمانينات الهجرية الماضية وأُلغيت في مراحلها الأخيرة لأسباب مختلفة، وكان يفترض أن لا ينظر فيها كاملة بكل مراحلها ونتائجها من قبل فريق التوثيق، ولكن الذي حدث أن فريق التوثيق ألغى المرحلة النهائية للبطولة فقط، واحتسب ما قبلها من مراحل تصفيات كبطولات للأندية! وهذا خلل فادح في الجانب الموضوعي للتوثيق! فالبطولة الملغاة (ميتة بشكل كامل)، من المفترض أن تُلغى كاملة. لا يُلغى بعضها ويترك بعضها، لأننا إن فعلنا ذلك دخلنا في معيار الهوى والميول الشخصي، وليس المعيار الموضوعي.
والغريب أن هناك أعضاء خليجيين وعرباً وخبراء من «الفيفا»، شاركوا مع فريق التوثيق، ولم يبدوا أي ملاحظة تجاه هذا الانحراف الموضوعي للتوثيق. فماذا كان دورهم بالضبط؟! فالبطولة التي أُقيمت تحت مسمى كأس جلالة الملك المعظم يفترض أن تبقى كما هي، ولا يطبّق عليها أي معيار من أجل تصنيفها تصنيفاً آخر، يحق للمتابع أن يصفه بالمعيار المتحيّز.
فمن وضع معيار أن كأس الملك إذا لعب بطريقة جمع النقاط فهو يعتبر (دورياً)، أراد إحداث تغيير في تصنيف البطولات! فبطولة كأس الملك تبقى بطولة كأس ملك مهما كان نظام البطولة! واللجوء لمعيار النقاط هو مجرد حجة ضعيفة تم الأخذ بها لتبرير تحويل مسمى البطولة من كأس ملك إلى دوري!
وكذلك معيار النطاق الأوسع، والنطاق الأضيق، الذي ابتكره فريق التوثيق، هو معيار متأرجح، وهو ليس دقيقاً، حيث يستطيع أي شخص أن يضعه في أي مكان ويطبّقه ويأخذ منه ما يريد!
فكيف تكون البطولة (دورياً عاماً) لأنها أقيمت في منطقة مكة المكرمة التي صنَّفها فريق التوثيق بالنطاق الأوسع، فيما صنّفت البطولة في منطقة الرياض بأنها (بطولة منطقة) لأن فريق التوثيق جعل من منطقة الرياض نطاقاً أضيق؟!
فالاتحاد احتسبت له بطولة المنطقة عام 1380هـ، بطولة دوري، ونادي الشباب الذي حقق نفس البطولة في الرياض في نفس العام احتسبت له بطولة منطقة! لأن من وضع المعايير جعل بطولات منطقة المكرمة ذات نطاق واسع، وبطولات منطقة الرياض ذات نطاق أضيق! على أي أساس موضوعي تم ذلك؟ لا أحد يعرف!
وكذلك بطولة الدورة التصنيفية التي أُقيمت عام 1395هـ، لتقسيم فرق المملكة بين دوري ممتاز ودوري درجة أولى، ولم يكن في لائحتها، تتويج ولا مباراة نهائية. وكانت عبارة عن مجموعتين، أوضحت لائحتها أن الفرق الأربعة الأوائل في كل مجموعة تصنّف ضمن الدوري الممتاز، والبقية ضمن دوري الدرجة الأولى. ولكن صاحب القرار رأى مع اقتراب نهاية الدورة أن تُقام مباراة نهائية وتتويج لمزيد من الإثارة فقط! فلماذا لم يؤخذ بلائحة البطولة، ويعتمد مسماها كما ورد في لائحتها؟! لماذا تم اعتبارها دورياً؟! رغم أن الهلال الذي تصدر مجموعته جمع نقاطاً أكثر من النصر الذي تصدر مجموعته هو الآخر! وهذا سبب قوي يجعل هذه البطولة لا تصنّف دورياً، إنما دورة كما ورد لائحتها. هل ذلك من باب الاستجابة لرغبات البعض؟! وكأن التوثيق محاصصة!
للأسف أن بعض البطولات خضعت لمعايير غير موضوعية، وبعضها خلا تماماً من أي معيار! ولكنها صنّفت وفق رؤى شخصية بحتة لبعض أو كل أعضاء فريق التوثيق مما أخل بكفاءة التوثيق، وقلَّل كثيراً نجاحه، ومن قبوله لدى قطاع غير قليل من الرياضيين.
ثم لماذا كان فريق التوثيق متهاوناً في احتساب بطولات لأندية لا يوجد فيها تتويج، ولا تسليم كأس أو درع أو ميداليات ذهبية؟! هنا فقط اختفت المعايير!
ونعيد السؤال مرة أخرى: هل كان هناك محاصصة في احتساب البطولات؟!
لن ندخل في النوايا والمقاصد فهذا علمه عند الله، ولكن المعايير التي وضعت غريبة، وخدمت أندية معينة بشكل واضح وكبير. وهي معايير لا مرجعية لها، لا آسيوياً ولا دولياً. وحتى إن جاءنا من يقول إنها مطبّقة في مكان ما من العالم، فإن تطبيقها هنا لم يكن موضوعياً. فمعيار النطاق الأوسع والنطاق الأضيق، غريب جداً في تطبيقه، فعلى أي أساس تم اعتبار منطقة مكة المكرمة نطاقاً أوسع، ومنطقة الرياض نطاقاً أضيق؟! لأن ذلك ترتب عليه أن من حقق البطولة في منطقة مكة المكرمة احتسبت البطولة له بطولة دوري على مستوى المملكة، بينما من حقق نفس البطولة في الرياض فقد احتسبت له بطولة دوري منطقة!
وبهذا المعيار زادت بطولات الدوري في رصيد الاتحاد، وحرم الشباب من المعاملة بالمثل. ونقص رصيده من بطولات الدوري! وهذا ما نقصده بأن تكييف المعايير لم يكن موضوعياً، حيث خدم أندية وحرم أخرى!
واختتم بسؤال لفريق التوثيق: لعب الهلال والأهلي مباراة (سوبر) كونهما بطلي الدوري والكأس (ولي العهد) 1999م. وفاز الهلال (5/ 2) واستلم كأساً وميداليات ذهبية من راعي المباراة الملك سلمان -حفظه الله- عندما كان أميراً للرياض، فأين هذه البطولة من حساب التوثيق ومعاييره؟! أين هي والفريق يوثّق بطولات بلا تتويج ولا كأس ولا راعي للمباراة! ويوثّق بطولات ملغاة!
الآن النتائج اعتمدت وأصبحت رسمية ولا يمكن تغييرها، ولكن ذاك لا يمنع من نقدها، وإبداء الرأي فيها.
زوايا
* (هلالي قديم) صاحب حساب شهير في تطبيق (X) شخص مخضرم رياضياً، مهتم بتوثيق الحركة الرياضية في المملكة، ويملك أرشيفاً ضخماً من المعلومات والوثائق الرسمية، عن البطولات والأنظمة الرياضية ولوائح البطولات. وتتميز طروحاته بالاتزان والعقلانية، والبعد عن المناكفات، والالتزام بالموضوعية وإعطاء كل الأندية بلا استثناء حقها التاريخي بلا تحيز. وهو معروف لدى كل المتابعين والمهتمين بتدوين التاريخ الرياضي، ويحظى بثقة كل من يعرفه مهما كان ميوله، وكل رأي أو معلومة يطرحها يسندها بوثيقة مرجعية. استغرب أن يتجاوزه فريق التوثيق، ولو من باب الاستشارة.
* مساعد الأمين العام لاتحاد الكرة قال في مؤتمر صحفي خلال بطولة السوبر بهونج كونج إن إيرادات السوبر كانت قياسية! وللأسف لم يذكر الرقم! رغم أن مبادئ التسويق تشدد على أهمية إشهار الأرقام العالية من الأرباح والإيرادات لتبيان حجم القوة التسويقية لأن في ذلك تشجيعاً على جذب استثمارات أكبر. أما إخفاء أرقام الإيرادات والأرباح فذلك يعني أنها دون المأمول.
* عندما قرَّر اتحاد الكرة دعوة الأهلي للمشاركة في بطولة كأس السوبر، هل استند في ذلك على نظام البطولة، أم أن ذلك القرار ليس له علاقة بنظام البطولة؟! فما دام أن استدعاء الأهلي لبطولة السوبر السعودي مخالف لنظام البطولة. فتكون معاقبة الهلال باطلة! فإما التطبيق الكامل للنظام، وإما التجاوز الكامل! فلا يصح أن نستبعد النظام عندما نرغب في استدعاء الأهلي، ثم نستحضره عندما نرغب في معاقبة الهلال! إن ما حدث لا يمكن أن يتم في زمن سيادة النظام والقانون! ولكنه حصل للأسف. ورأينا كيف أن نظام البطولة يطبّق حسب الرغبة! أو ينحي جانباً حسب الرغبة أيضاً!
* هل تسبب قرار دعوة الأهلي للمشاركة في بطولة كأس النخبة والمخالف لنظام البطولة في إقالة الأمين العام إبراهيم القاسم؟!
* كم أميناً عاماً لاتحاد الكرة تمت إقالتهم خلال السنوات العشرين الماضية؟! أغلبهم! والسبب عدم الدقة في الاختيار، ووضع معايير تجعل الكفاءة آخراً!
* إقالة الأمين العام ما هي إلا مسكن مؤقت لخلل عميق في جهاز اتحاد الكرة! فالاتحاد كهيئة ومؤسسة يحتاج إلى إصلاح جذري، في هيكلته، ومواءمة الهيكلة مع الإستراتيجيات والمستهدفات، وإلى تطوير في أنظمته، ولوائح لجانه، وإلى مراجعة شاملة لسياسات العمل وتوجهاته، ووضع قواعد ومعايير مهنية وموضوعية لاختيار الكفاءات العاملة.
* عبر التاريخ التنافسي الكروي العاصمي كلما نهض فريق الشباب تراجع النصر! لذلك هناك من يعجبه عدم حصول الشباب على دعم مماثل بالآخرين، ومنهم جاره العاصمي.