رسيني الرسيني
من المعروف أن علم التأمين قائم على البيانات، والنجاح فيه يعتمد بشكل أساسي على الاحترافية في التعامل مع هذه البيانات وتحليلها بدقة، وهنا يبرز دور الخبير الإكتواري. فالسؤال: ما هو العلم الإكتواري، وكيف يؤثر في قدرة شركات التأمين في إدارة المخاطر؟ بشكل مبسط: يُعد العلم الإكتواري مزيجًا من الرياضيات والإحصاء يُستخدم لتحديد الأسعار العادلة، إذ يعمل الخبير الإكتواري على دراسة وتحليل بيانات السوق، وتكاليف الشركة، والأخطار المتوقعة لوضع توصية مناسبة لتسعيرة وثيقة التأمين، وتحتفظ شركات التأمين بحق عدم الأخذ بهذه التوصية شريطة أن يكون القرار مبنيًا على أساس مهني ومنطقي، ووفق مصفوفة الصلاحيات في الشركة.
مؤخرًا، أصدرت هيئة التأمين مراجعة للتقارير الإكتوارية المقدمة من قبل شركات التأمين لعام 2024م، وهي من المتطلبات السنوية الهادفة إلى تعزيز دور ومسؤوليات الخبراء الإكتواريين في القطاع، لدعم إدارات شركات التأمين في اتخاذ القرارات المناسبة، ومن أبرز البيانات الواردة في التقرير: معدلات كفاية التسعير والمقصود فيه هو نسبة الالتزام بتوصيات الخبير الإكتواري. ففي عام 2024م، بلغت هذه النسبة في التأمين الصحي 101% ما يعني أن الشركات كانت أكثر تحفظًا من توصيات الإكتواري.
أما في تأمين المركبات، بلغت النسبة 89%، أي أن الأسعار كانت أقل من التوصيات، ويُعزى هذا الاختلاف إلى المراجعات الدورية للأسعار، التي تأخذ في الاعتبار عددًا من العوامل، من أبرزها: معدل الخسائر الماضية وقابلية تحمل المخاطر المستقبلية.
ومن الأرقام اللافتة في أحد تقارير هيئة التأمين، هو أن ثلث الشركات فقط التزمت بتوصيات الخبير الإكتواري فيما يتعلق بإعادة التأمين، وعلى الرغم من أن هذه النسبة منخفضة، إلا أنها مبررة بسبب وجود عوامل جوهرية أخرى تُسهم في تكوين الرأي النهائي للشركات، ومن أبرزها: العرض والطلب في سوق إعادة التأمين، الأمر الذي يبرز فيه دور وسطاء إعادة التأمين نظرًا لقربهم من أسواق إعادة التأمين الخارجية، ومعرفتهم بالسوق المحلي ومتطلباته من حيث هيكلة الاتفاقيات وغيرها.
وفي جميع الأحوال، تظل توصيات الخبراء الإكتواريين مهمة جدًا لمجالس إدارات شركات التأمين، ويجب على أعضاء المجالس فهم اللغة الإكتوارية لتمكينهم من معرفة الأسس المنطقية التي بنيت عليها التوصيات، والقدرة على مناقشتها علميًا مع الخبراء.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية تسعير المنتجات التأمينية ليست مسؤولية الإكتواريين وحدهم، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين إدارات شركة التأمين بشكل تكاملي، بما يضمن أن تعكس الأسعار الواقع الفني والتجاري والقانوني وسلوكيات السوق؛ فإدارة الاكتتاب يجب أن تعمل على تقييم الخطر المطلوب التأمين عليه، بينما تقع على عاتق الإدارة المالية مسؤولية تحديد العائد المطلوب وتكاليف رأس المال، كما تلعب إدارة المبيعات دورًا مهمًا في فهم احتياجات العملاء وتوجهات السوق، بالإضافة إلى الإدارات الأخرى مثل إدارة إعادة التأمين وغيرها. ولتحقيق هذا التكامل بين الإدارات، يجب أن يكون بإشراف مباشر من الإدارة العليا للشركة، ليس فقط لضمان دقة الأسعار وإنما أيضًا لضمان كفاءة الاتفاقيات وواقعية تطبيقها.
حسنًا، ثم ماذا؟
النماذج الإكتوارية لا تساعد فقط في تحديد الأسعار العادلة للمنتجات التأمينية، بل أيضاً في وضع احتياطيات مالية مناسبة تضمن قدرة الشركة على الوفاء بالتزاماتها في مختلف السيناريوهات.