منصور بن صالح العُمري
في هذا العالم، يبدو أن للدماء ألوانًا مختلفة، وأن صرخات الأطفال تُوزَن بميزانٍ غريب، يُسمّى أحيانًا «المصالح»، وأحيانًا «التحالفات»، وأحيانًا «القيم الغربية». لكنّ الحقيقة أن الدم إذا كان فلسطينيًا، فإن الإنسانية تصاب بالخرس، ويغدو القانون الدولي ضريرًا أعمى.
حين اجتاحت روسيا أوكرانيا، ارتجّت الدنيا: مؤتمرات عاجلة، بيانات صارخة، عقوبات متلاحقة، أسلحة تنهال على كييف كما ينهال المطر في عزّ الشتاء. فتحوا الحدود، فتحوا القلوب، رفعوا الشعارات: الحرية، الكرامة، حق الشعوب في تقرير المصير.
وحين اجتاح الموت غزة، لم يتحرك إلا الغبار. صمتٌ دولي مخزٍ، بيانات باهتة، وخطابات تتحدث عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وكأن الدفاع عن النفس يعني قتل الرضّع تحت الركام!
أيها السادة، أيها السادة العظماء..
أية إنسانية هذه التي تُجزَّأ؟ أي قانون هذا الذي لا يعمل إلا ببطارية «المصلحة»؟ أليست غزة أرضًا يسكنها بشر؟ أم أن البشرية درجات، فيها شعب «يستحق» الحرية، وشعب «يستحق» الفناء؟
غزة اليوم ليست مجرد جرح فلسطيني، بل هي فضيحة كبرى تُسجَّل في كتاب التاريخ: فضيحة الإنسانية التي تتبجّح بالقانون ثم تدوسه بأقدامها، وتزعم العدالة وهي تُمارس أقبح أشكال التحيّز.
لكنني - رغم هذا السواد - أرى في عيون أطفال غزة شعاعًا لا ينطفئ. أرى أنقاض البيوت تقول: «سنُبنى من جديد». أسمع أذانًا يخترق الدخان: «الله أكبر».. وفي هذه الكلمة وحدها يكمن الردّ على كل صمت العالم.
غزة لا تطلب المستحيل. تطلب فقط أن يُعترف بأن دماءها دماء، وأن أطفالها أطفال. تطلب أن يُعامل شعبها كما عومل غيره. تطلب إنصافًا بسيطًا، يبدو في هذا الزمن أعزَّ من الذهب.
أما أنتم - يا من تتشدقون بالقانون والحرية - فاعلموا أن غزة تفضحكم. والتاريخ لا يرحم. وغدًا، حين يُسأل أطفال غزة عمّا جرى، سيقولون: قُتلنا تحت نظر العالم.. وصمته!!