رمضان جريدي العنزي
(1)
يمتلك المال، لكن قلبه أغنى من جيبه، ينفق في صمت، كأن بينه وبين الله عهداً ألا يراه أحد، لا يطلب تصفيقاً ولا يسعى لشيلة أو قصيدة أو إشادة أو إطراء، فهو يؤمن أن العطاء إذا نُشر ضاع ثوابه، وأن الكلمة إذا اقترنت بالمنّ فقدت معناها، يمر بين الناس خفيف الظل، لا يثرثر ولا يتباهى ويتجنب الفوقية والتعالي والغرور، لكن أثره في حياتهم يظل أعمق من كل كلام، إنه الغني بحق، غنيّ بما أعطى، لا بما جمع وأوعى.
(2)
الإنسان لا يُقاس بمساحة منزله ولا بديكور مجلسه ولا بسيارته ولا بلبسه ولا ببشته وعطره ومسبحته وأناقته، بل بأخلاقه وأفعاله وأقواله وصدقه وجوهره وثبات موقفه ونقاء سريرته، فمن سار بتواضع، وأنار الدروب، وصان المبادئ، فذلك هو السيد بلا تاج، والغني بلا خزائن، فلا يغرنك لمعان الظاهر، فكم من باطن هش ورقيق، وكم من قصرٍ شامخٍ يخفي وراء جدرانه فراغ مخيف، أن قيمة المرء ليست في مظهره، بل فيما يحمل من قيم ومبادئ، وليست فيما يقول، بل فيما يفعل، وليست في المنزلة والمكانة والوجاهة، بل في الثبات والحضور وقوة الكلمة والموقف، ففي ثباته عزّه، وفي أخلاقه مكانة، وفي أفعاله خلود.
(3)
أصحاب البر والعون والإحسان، نياتهم صافية، وأعمالهم جليلة، أرواحهم نقية، قلوبهم طاهرة، وأخلاقهم نبيلة، تجللوا بثياب البياض، وتزينوا بوشاح البذل والعطاء، ولا ينتظرون من أحد جزاءً ولا شكوراُ، كالغيث المنهمر، يروون أرض القلوب الظمأى بالعون والمساعدة، سحب أينما حلت أمطرت، وأنهر جارية، لا تتوقف عند صخرة، ولا تتراجع أمام عقبة، عكس أصحاب الأنانية والفوقية والنرجسية والذاتية، مثل الريح الباردة تجفف ينابيع الأمل، وتكسر الأغصان اليانعة، أشباح لا تحمل في جعبتها سوى اليبس والجفاف، صحاري قاحلة لا ماء فيها ولا ظلال، خشب مسندة، لا يعرفون الخير، ولا يتقنون المعروف، ولا يفقهون معنى العطاء والمساندة ، لكنهم يجيدون المناكفة والمخاصمة واللغو والمحاسدة.