د.عبد العزيز سليمان العبودي
1 - من الفطرة البشرية أن يحس كل فرد أنه مركز العالم، لكن مع محكات التجربة، يطرد الإنسان هذا الإحساس الفطري، ويحل محله الإحساس الواقعي بأنه فرد من هذا المجتمع لا مركزه.. والحقيقة العلمية أن الفرد لم يطرد ذلك الإحساس بكليته من نفسه بل قسمه إلى ظاهر وباطن.. الظاهر هو ما يقبله كحكم عادل وأنه فرد بين مجموع، إن لم يكن عن قناعة تامة فهو خشية أن يسبح ضد التيار فيعد مختلاً.. أما الحس الباطن فهو حب الذات وأنانيتها، ويبين هذا في أن النفس تحب العاجل وتستدني الخير وتستبعد الشر وتبرر لخطئها وتكذب للدفاع عن نفسها، بل يمكن أن ترتكب جناية لحماية ذاتها.. من هنا فالفرد ومن ورائه الجموع تحت سيطرة الفطرة وهي أنها ترى نفسها في الوسط وأن الآخرين هم المتطرفون.
2 - التطرف لا علاقة له بالانغلاق الذهني أو الثقافي أو العلمي أو المستوى المعيشي ودرجة التمدن، بدليل أن كثيراً من الشباب المسلم المتطرف مثلاً هم من سكان أوروبا التي ولدوا وعاشوا فيها حيث الانفتاح والديمقراطية والمعاصرة وليسوا من سكان مواطن آبائهم الأصلية في آسيا وأفريقيا حيث القمع والفقر والانغلاق، إذاً التطرف حالة ذهنية جاهزة للتأجيج لو وجدتْ مُشْعِل الفتيل.
3 - خطاب التطرف جاذب للوهلة الأولى لأي فطرة، لكنه يُستبعد فوراً حينما يتعرض لضوابط العقل والأخلاق أو قوة النظام، إلا لدى قلة.. وهؤلاء القلة لهم دوافعهم الشخصية من فكرية أو اجتماعية أو نفسية، وهم يتحركون في المجتمع كالفتيل في انتظار مُشْعله، ودور الدولة والمجتمع هو قطع الصلة بين ذلك الفتيل ومُشْعله.
4 - عرّف الغرب التطرف بأن تكون إقصائياً وأن تعادي كل من يخالفك، أما الإرهابي فهو من يأخذ هذه المعاداة إلى حدها العنيف حتى القتل.. ويرون أن التطرف درجات وله عدة قياسات سواء في بيئته أو في خارجها، فدرجة الحرية الشخصية المعتدلة في السويد على سبيل المثال تبدو متطرفة في أفغانستان، ودرجة حرية الرأي المعتدلة في أمريكا سوف تعتبر متطرفة في كوريا الشمالية، وهكذا.
5 - التطرف ذو وجهين، إذا كان أحدهما الفعل فإن الآخر هو ردة الفعل.. فالتطرف في الفعل يولد بالضرورة تطرفاً في ردة الفعل، ويفضل أن تزيد عليه في القوة ولا تساويه حتى تشفي الغليل.. الأمر الأخطر أنه يولد مثالاً يُحتذى ويُقتدى به، فهو مدرسة تتعلم منها الجموع وتجيز فعلها إذا سبق أن فعلها من سبقهم وبالذات إذا كانوا يرونهم خيراً منهم.. بل إن هذا مما يدفع إلى الاقتداء بهم ظناً منهم أن في ذلك قرباً إلى الله.. المشكلة الدائمة أن النفوس التي تستعذب فعل التطرف في وقته لا يحسبون لردة الفعل حساباً وهنا مكمن المصيبة.
6 - هناك من يقول: إن التطرف مرتبط بالثقافة وليس بالاقتصاد، وتحديداً الخوف من تهديد الثقافات الجديدة، سواء خوف المهاجرين من الثقافة الجديدة التي قدموا إليها واستقروا فيها، أو خوف أهل البلد أنفسهم من ثقافة الوافدين الجدد ومقدار تأثيرهم على ثقافتهم الأصلية، بدليل كثرة الجهاديين من الشباب المسلم الذين ولدوا وتعلموا في الغرب بل إن بعضهم من مواليد الجيل الثاني أو الثالث، ويقابلها بروز المنظمات اليمينية المتطرفة في أوروبا.. وهذان المثالان ليسا نتيجة تأثير اقتصادي من جهة المهاجرين، ولا المنافسة على الوظائف من جهة أهل البلد الأصليين بل خوف من تأثير الثقافة الوافدة.
7 - هناك علماء يقولون: إن التطرف عنصر (جين) وراثي يولد مع الفرد مثل الجينات المسببة للأمراض، أو الجينات البانية للمناعة، أو الجينات المؤثرة على كيمياء العقل فتجد الفروقات بين عقول البشر بسببها، أو الجينات المؤثرة على الصفات الجسدية التي اكتسبها من محيطه البيئي بجغرافيته ومناخه.
8 - نجاح الأحزاب المتطرفة تقوم على القائد القوي الفذ وتنتهي بنهايته، ففي العصر الحديث مثلاً قامت النازية في ألمانيا وانتهت بنهاية زعيمها هتلر، وكذلك الفاشية الإيطالية قامت وانتهت بنهاية زعيمها موسوليني، وكذلك الحال بالناصرية في مصر والبعث في العراق.
9 - العضلات هي التي تثير الغوغاء وتهيج شهيتهم للحركة والتفاعل والفعل حتى لو كان ضد النفس والمجتمع الذي تربوا فيه، لذلك لا يمكن مخاطبة الغوغاء بالعقل والمنطق.
10 - حينما صرح موسوليني أنه من الأفضل أن أعيش يوماً واحداً كأسد ولا مئة عام كخروف كان يخاطب الغوغاء وليس العقلاء، فربط التعدي على الآخرين بالأسد وربط العيش بسلام بالخراف، من هنا فإن أخطر وسائل الإرهاب هي استغلال الفراغ الفكري والملل.. وإذا كانت العرب تقول «الفراغ والجدة مفسدة للمرء»، فإن العقل الفارغ الجاهل المسطح الذي لم يتم إشغاله بما يفيد يكون جاهزاً لأن يتحول إلى طاقة في الاتجاه المعاكس.. فالخطاب المتطرف يضع ذلك الشخص الفارغ عقلاً وعملاً أمام فرصة أن يكون شيئاً مؤثراً مهماً مخيفاً، ومن الذي لا يرغب في ذلك؟
11 - التطرف وسيلة لتجميع المتشابهين ونفي المخالفين، لذلك المتطرفون يعملون في مجاميع وليس مجموعة واحدة، حيث يؤمنون بوجوب التغيير بالقوة، ويتعاملون مع الأحداث والأشياء وفق عقلية انتقائية.