إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
تشهد المملكة العربية السعودية نهضة ثقافية وفنية غير مسبوقة، جعلت من الفنون البصرية أحد أبرز روافد التحول الحضاري الذي تعيشه البلاد. وبفضل الدعم الكبير الذي توليه القيادة الرشيدة للثقافة ضمن رؤية السعودية 2030، لم يعد الفن التشكيلي ممارسة نخبوية، بل أصبح جزءًا من الحراك التنموي الذي يسهم في تعزيز الهوية الوطنية والتواصل مع العالم. وقد تحولت الرياض إلى مدينة ثقافية مؤثرة عالميًا، تستضيف المعارض الكبرى والفعاليات الدولية، وتنافس اليوم عواصم الفن التقليدية مثل باريس ولندن ونيويورك.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية وجود المعارض السعودية والفنانين السعوديين في الخارج ليكونوا سفراء ثقافيين يحملون رسائل المملكة إلى العالم. فهي لا تكتفي بعرض جماليات الفن السعودي، بل تقدم صورة متكاملة عن مجتمع يتغير بسرعة، وعن ثقافة تفتح أبوابها للحوار العالمي.
ومن بين هذه المبادرات، يبرز معرض «كشف النقاب» للفنان السعودي عبد الله الأحمري، الذي افتُتح مؤخرًا في صالة تافيتا جاليري العريقة في لندن، بتنظيم مشترك مع 015 جاليري من الرياض، وإشراف صاحبة السمو الأميرة سارة آل سعود كقيم فني وبحضور ثقافي وفني لافت؛ حيث حضر المعرض ممثلون عن سفارة خادم الحرمين الشريفين في لندن كما حضر نخبة من رواد الفن التشكيلي العالمي والمهتمين وبه وعدد من الشخصيات الإعلامية والثقافية العربية والعالمية .
الأحمري.. الفنان المثقف وصاحب الرسالة
عبد الله الأحمري ليس مجرد فنان بصري، بل مثقف واعٍ يوظف الفن كأداة للتعبير عن قضايا إنسانية كبرى. في «كشف النقاب»، اختار الأحمري أن يجعل المرأة محور أعماله، باعتبارها أساس البناء الإنساني وركيزة المجتمع الأول. فالمرأة في أعماله هي الأم التي تمنح الحياة، والزوجة التي تشارك، والأخت التي تساند، والابنة التي تمثل المستقبل. وهي في الوقت نفسه رمز إنساني جامع يتجاوز حدود المكان والدين والثقافة، لتصبح مرآة لقيم مشتركة تجمع البشرية.
هذا الطرح ينسجم مع مكانة المرأة المتنامية في المملكة، حيث تحظى اليوم بدعم واسع مكّنها من قيادة مبادرات والريادة في مجالات متعددة. كما يرتبط بوعي الأحمري كخبير في تطبيقات أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، ولا سيما الهدف الخامس المتعلق بتحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. بذلك، يتحول المعرض إلى مساحة تلتقي فيها التجربة الفنية بالرسالة الإنسانية، في تعبير صادق عن دور الفن في تعزيز قيم العدالة والكرامة.
قراءة في الأعمال: المرأة كحضور إنساني عابر للثقافات
أعمال الأحمري لا تقدم صورة نمطية للمرأة، بل تطرحها كجوهر إنساني يتجاوز الملامح الظاهرية؛ النساء في لوحاته يظهرن بخطوط خافتة وملامح هادئة، كأن حضورهن ليس في الشكل بقدر ما هو في الروح والمعنى.
الألوان المتنوعة بين دفء الأحمر والبرتقالي وبرودة الأزرق والرمادي تمنح اللوحات قوة تعبيرية، وتكشف عن تنوع الأدوار التي تؤديها المرأة، من القوة إلى الحنان، ومن الثبات إلى الرقة.
بهذا الأسلوب، يفتح الأحمري نافذة للتأمل في رمزية المرأة في مختلف الديانات والثقافات، باعتبارها عنصرًا جامعًا يربط بين الإنسان والإنسان، وبين الماضي والحاضر، وبين القيم الروحية والواقع المعاش.
جسر حضاري ولغة إنسانية
معرض «كشف النقاب» ليس مجرد عرض تشكيلي، بل جسر حضاري يربط المملكة بالعالم عبر لغة الفن. المرأة في لوحات الأحمري ليست سعودية أو غربية فقط، بل رمز إنساني مشترك يعكس وحدة التجربة البشرية في مختلف الديانات والحضارات.
ومن خلال هذه الرؤية، يقدم المعرض رسالة واضحة: أن الفن السعودي اليوم قادر على مخاطبة الإنسانية جمعاء، وأن المملكة من خلال فنانيها ومؤسساتها الثقافية تكتب فصلًا جديدًا في تاريخ الفن العالمي.
ومن الأسباب الرئيسية لنجاح هذا المعرض تأتي الجهود الكبيرة التي تبذلها صاحبة السمو الأميرة سارة آل سعود، التي عملت كقيم فني للمعرض، ومعها 015 جاليري بالرياض، على وضع رؤية استراتيجية تهدف إلى نقل الفن السعودي إلى منصات عالمية مؤثرة. فتنظيم المعارض في عواصم مثل لندن يمثل خطوة نوعية لتعريف الجمهور الدولي بثراء التجربة التشكيلية السعودية، وإبراز التنوع الفني الذي يقدمه فنانو المملكة.
حيث إن العمل الثقافي المنظم يمكن أن يخلق منصات حقيقية للفنانين السعوديين، تتيح لهم المشاركة في حوارات ثقافية عالمية، وتضع المملكة في موقع متقدم على الخريطة الفنية الدولية.
إن معرض «كشف النقاب» في لندن هو تجسيد حي للنهضة الفنية السعودية، حيث يلتقي الفن بالثقافة، والرسالة الإنسانية بالدعم المؤسسي. إنه دليل على أن الفنان السعودي اليوم مثقف عالمي، قادر على إنتاج خطاب بصري إنساني يتجاوز الحدود. كما أنه شاهد على دور المؤسسات السعودية في بناء جسور ثقافية تمتد من الرياض إلى العواصم الكبرى، لتؤكد أن المملكة لاعب رئيسي في صياغة مستقبل الفن والثقافة عالميًا.
** **
تويتر: AL_KHAFAJII