د. عيسى محمد العميري
تصادف في الحادي والعشرين من سبتمبر القادم، مناسبة اليوم الدولي للسلام، ليتجدد صوت الإنسانية بنداء صادق يدعو إلى السلام، ذلك اليوم الذي خصصته الأمم المتحدة ليكون محطة للتأمل والتفكير في قيمة الأمن والطمأنينة التي ينشدها البشر جميعًا. إن اليوم الدولي للسلام ليس مجرد تاريخ على التقويم، بل هو رمز عميق يذكِّرنا بأن الحروب لا تخلّف سوى الدمار، بينما السلام يفتح أبواب الأمل والازدهار. إن نشر السلام ضرورة وجودية، فالحياة لا تزدهر في أجواء الخوف والاقتتال، بل في ظل التعاون والمحبة. عندما تُزرع بذور التسامح في قلوب الناس، تثمر استقرارًا وأمانًا، وعندما تُطفأ نيران الكراهية، تُضاء شموع الأمل في المستقبل. لهذا فإن بناء عالم يسوده السلام ليس ترفًا أو حلمًا بعيدًا، بل هو واجب أخلاقي وحق إنساني لكل فرد على وجه الأرض. لقد أثبتت تجارب التاريخ أن السلاح لا يكتب النهايات السعيدة، بل الحوار هو الذي يرسم الطريق إلى الحلول الدائمة. ففي كولومبيا مثلاً، توقفت عقود من الحرب بفضل اتفاق سلام شجاع أنهى نزيف الدم وأعاد للمجتمع وحدته. وكذلك الاتفاقات الدولية التي حالت دون اندلاع نزاعات كبرى تبرهن أن كلمة العقل أقوى من أصوات المدافع. هذه الأمثلة تذكّرنا بأن طريق السلام ممكن، إذا وُجدت الإرادة الصادقة والقلوب المخلصة. هذا بالإضافة إلى أن السلام لا يقتصر على العلاقات بين الدول، بل يبدأ من داخل كل إنسان. يبدأ من قدرتنا على التسامح مع الآخر، من نبذنا للكراهية، ومن سعينا لتحقيق العدالة بين الناس. السلام في الأسرة ينعكس على المجتمع، والسلام بين الشعوب يبني جسور التعاون والاحترام المتبادل. إنه سلسلة مترابطة، إذا انقطعت في حلقة ضعفت في حلقات أخرى. واليوم الدولي للسلام هو أيضًا مناسبة لتكريم كل من يسهم في نشر الطمأنينة؛ من معلمين يغرسون قيم التسامح في عقول الصغار، إلى ناشطين يعملون في أصعب الظروف لنشر روح المصالحة، إلى قادة اختاروا طريق الحكمة على طريق القوة. هؤلاء جميعًا هم مشاعل تنير دروب المستقبل. وبناء عليه فلنجعل من هذا اليوم دعوة مفتوحة لتجديد عهدنا مع السلام، وأن يكون شعارنا أن الحروب ليست قدرًا محتومًا، وأن الخير أقوى من الشر إذا اتحدت القلوب عليه. فليكن كل واحد منا رسولاً صغيرًا للسلام في أسرته ومجتمعه وعمله. بذلك فقط يمكن أن يتحقق الحلم بعالم خالٍ من العنف والكراهية، عامر بالمحبة والوئام. والله الموفِّق.
** **
- كاتب كويتي