عبدالله صالح المحمود
لم تعد المملكة العربية السعودية تنظر إلى القوة العسكرية باعتبارها مجرد منظومة تسليحية تُشترى من الخارج، بل باتت تُعيد تعريف مفهومها من الجذور: من التبعية إلى الريادة، ومن الاستهلاك إلى الإنتاج. واليوم، ومع رؤية 2030، تمضي المملكة في مسار واضح يهدف إلى توطين 50 % من الإنفاق العسكري، لتؤكد أنها لم تعد متلقية للتقنية فحسب، بل شريكة في صناعتها ومبتكرة لآفاقها.
يقود هذا التحول مؤسسات وطنية كبرى، في مقدمتها الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI)، والشركة السعودية للصناعات العسكرية (SAMI)، والهيئة العامة للتطوير الدفاعي (GADD). هذه المؤسسات لم تكتفِ بفتح أبواب الترخيص للشركات المحلية، بل أسست لبيئة حيوية تشجع البحث والتطوير وتستقطب العقول الوطنية والشراكات الدولية، فارتفع عدد الشركات الوطنية العاملة في قطاع الصناعات العسكرية بشكل ملحوظ، ليشكّل ذلك بداية مسار استراتيجي طويل الأمد.
الاستثمار السعودي لم يتوقف عند التصنيع التقليدي، بل انطلق نحو المستقبل. فقد وضعت المملكة ثقلها في مجال الطائرات المسيّرة، وفتحت أبوابها على الذكاء الاصطناعي العسكري لتعزيز قدرات القيادة والسيطرة، واهتمت بـ الأمن السيبراني كخط الدفاع الأول في عصر الحروب الرقمية. هذه القطاعات لا تصنع قوة عسكرية فحسب، بل تضيف للاقتصاد الوطني قيمةً نوعية عبر رفع الناتج المحلي وتوفير آلاف الوظائف، وتمنح القرار السعودي استقلالًا يتجاوز ضغوط الخارج.
وعندما تستضيف الرياض المعرض العالمي للدفاع 2026، في نسخته الثالثة في الفترة من 8 إلى 12 فبراير 2026، فإنها لا تستضيف معرضًا اعتياديًا، بل تُقدّم للعالم برهانًا على موقعها الجديد في خريطة الصناعات والابتكارات الدفاعية. المعرض سيكون ملتقى لكبار المصنعين والباحثين والخبراء، ومنصةً لإبرام شراكات استراتيجية عابرة للقارات، ونافذة لعرض أحدث ما توصلت إليه المملكة من تقنيات وأنظمة. إنها لحظة استثنائية تقول للعالم: إن السعودية لم تعد مجرد مشترٍ للسلاح، بل قوة تصنعه وتطوره وتصدره.
إنها السعودية، التي اختارت أن تكون في موقع الفاعل لا المتلقي، وفي خانة المصدر لا المستورد، ومع تسارع مشاريع البحث والابتكار، وتنامي الصناعات العسكرية المحلية، فإن المملكة تمضي بثقة نحو أن تصبح أحد المراكز العالمية الرائدة في تطوير التقنيات والصناعات والابتكارات الدفاعية. وبذلك، ترسم لنفسها مكانة استراتيجية متقدمة، لا في محيطها الإقليمي فحسب، بل في معادلة الأمن والدفاع الدولية بأكملها.