د. ناهد باشطح
فاصلة:
«الانتظار لا يعني الجمود، بل هو شكل خفي من أشكال الحركة»
-هاروكي موراكامي-
********
جزء من النص مفقود
الغموض
الإجابات المقتضبة
نهايات المسلسلات الغامضة
انتظار ما لا يأتي
كل ذلك ليس عبثا، بل تقنية تُدعى «كليف هانغر» «Cliffhanger»
وهي أسلوب سردي يهدف إلى إثارة فضول الجمهور وتركهم في حالة ترقب شديد حيث يتم إنهاء القصة عند لحظة غامضة دون الكشف عن نهايتها مما يحفزهم على متابعة ما سيحدث لاحقا..
لكن هذه التقنية لها تأثير معين اكتشفته عالمة النفس السوفيتية «بلومة زيجارنيك»، سمّي تأثير زيجارنيك (Zeigarnik Effect)
بعد أن لاحظت أن الأشخاص يذكرون المهام غير المكتملة أو المتقطعة بشكل أفضل من المهام المنتهية، ويُرجع هذا إلى توتر معرفي يدفع الدماغ للتركيز على ما لم يُنجز.
ذلك لأن الدماغ البشري لا يحب «النهايات المفتوحة»، لذلك نشعر بالقلق أو الفضول للغامض أو الذي لم يكتمل بعد..
وهذا ما يجعل الناس مدمنين على المسلسلات الطويلة؛ فهم في حالة ترقب للنهايات، خاصة تلك السعيدة التي ينتظرونها بتشوّق.
حسب الأبحاث العلمية فإن التوتر المعرفي الناتج عن «الكليف هانغر» هو ما يحفّز استمرار التفاعل، دون تأكيد بالاستمرارية.
يعود ظهور النهايات السردية المثيرة للاهتمام إلى القرن التاسع عشر، عندما نشر تشارلز ديكنز رواية «متجر التحف القديم» كمسلسل، واهتم القراء بمصير البطل لدرجة أنهم وقفوا ينتظرون على أرصفة ميناء نيويورك وصول السفينة من إنجلترا حاملةً نسخًا من المجلة التي تحتوي على الفصل التالي من السلسلة.
لكن هذه التقنية ليست حكرًا على الخيال. نحن جميعًا نعيش «كليف هانغر» خاص بنا في حياتنا اليومية.
كم مرة انتظرت رسالة لم تصل؟ أو مكالمة وعدك بها أحدهم ثم اختفى؟
كم من طالب بقيت حياته معلّقة حتى تصدر نتيجة القبول الجامعي؟
وكم من مريض عاش أيامًا طويلة معلّقًا على كلمة من طبيبه بعد إجراء التحاليل؟
هذه المواقف تشبه بالضبط نهاية حلقة مسلسل مشوقة ننتظر تكملتها.
وفي وسائل التواصل الاجتماعي مئات الأمثلة لهذه التقنية نلاحظها في فيديوهات لا تكتمل ومنشورات تنتهي بسؤال مثير، لدفعنا للانتظار والترقّب.
ولكن كيف نتعامل مع «الكليف هانغر»؟
فعقولنا لا ترتاح إلا عندما تغلق القوس المفتوح؛ لذلك يظل الانتظار ثقيلًا، ويظل التشويق مؤلمًا أحيانًا. وما من حل سوى الوعي وإدراك أن هذه الحالة وإن سببت توتراً إلا أنه يمكن استثمارها للتأمل أو للتخطيط..
فالحياة ليست مسلسلًا مكتوبًا بالكامل، بل حلقات مفتوحة تتوالى. وكل «كليف هانغر» يضعه لنا القدر، مهما بدا مربكًا، قد يخفي خلفه بداية جديدة لم نتوقعها، لذلك علينا أن ندرك أن كل ماهو غامض غير مكتمل يمكنه أن يجعلنا نترقب أو نتوتر لأجل أن تكتمل الحكاية.
** **
المصادر
-Gambini, B.الجزيرة Hahn, L (2023, June 16). UB study finds that cliffhangers keep audiences … [to be continued]. UBNow. https://www.buffalo.edu/ubnow/stories/2023/06/hahn-cliffhangers.html