سلطان بن محمد المالك
في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير، وتتعاظم فيه تحديات الاستدامة المؤسسية، في بيئة العمل الحديثة لم يعد إعداد الصف الثاني من القيادات خيارًا تنظيميًا يُترك للمستقبل، بل أصبح ضرورة استراتيجية تمس جوهر استقرار ونمو المؤسسات، سواء في القطاعين العام أو الخاص، وذلك لضمان الاستمرارية والاستقرار المؤسسي. فغياب القيادات الحالية في أي منشأة لأي سبب كان قد يعرّض المنشأة لهزات تنظيمية وقرارات ارتجالية. أما وجود صف ثانٍ مؤهل، فيضمن انتقالًا سلسًا للمهام، ويعزز ثقافة الاستدامة والتطوير الداخلي.
قيادات الصف الثاني البديلة لا تقتصر فائدتها على وقت الأزمات فقط، بل تسهم في تحسين الأداء العام، وزيادة الولاء المؤسسي من خلال رؤية واضحة لمسار التطور الوظيفي، وتحفز على نقل الخبرات داخل المنظمة، وتضمن استمرارية العمل دون انقطاع في حال غياب القائد، وتساهم في نقل المعرفة والخبرة داخل المنظمة بشكل منظم ومنهجي، وتساهم في الحد من الاعتماد على الأفراد وبناء ثقافة مؤسساتية قادرة على العمل الجماعي. كما تساهم في رفع كفاءة الأداء العام بوجود عناصر قيادية تحت التدريب والملاحظة المستمرة.
الاستثمار في تطوير القادة المستقبليين اليوم هو تأمين لنجاح الغد، القيادة لا تعني فقط من يشغل المنصب اليوم، بل من يمكنه أن يشغله غدًا بنفس الكفاءة، أو بدرجة أعلى من النضج الإداري والوعي المؤسسي. وكما نعلم أن غياب القيادات الحالية – لأسباب طبيعية مثل التقاعد أو الاستقالة والانتقال لعمل آخر، قد يُربك مسيرة العمل، ويؤدي إلى قرارات مرتجلة واجتهادات شخصية غير ناجعة أو فراغات تنظيمية مكلفة؛ أما وجود صفٍ ثانٍ مؤهل ومدرّب، فيُعد تأمينًا حقيقيًا لاستمرارية الأداء، ومرونة التكيف مع المتغيرات.
الاستثمار في الكفاءات الداخلية، وتأهيل جيل جديد من القادة، هو ضمانة حقيقية لثبات الأداء ونجاح التحول المستقبلي. والمقصود بالصف الثاني هم الأشخاص الأكفاء المؤهلون، وليس الأشخاص غير المؤهلين ومن يتم اختيارهم لأسباب غير مهنية (مثل المجاملة أو الأقدمية فقط). فالصف الثاني لا يعني أي موظف في الدرجة الثانية، بل قائد مستقبلي محتمل يتم اختياره بعناية، وتُبنى له خطة تطوير فردية تضمن جاهزيته الفعلية.
الخلاصة:
في أي منظمة طموحة، غياب خطة واضحة لتمكين قيادات بديلة يعرض المنشأة للخطر. أما الاستثمار في الكفاءات الداخلية، فيمنحها مناعة مؤسسية، واستعدادًا دائمًا للمستقبل، بغضّ النظر عن الظروف. فالتحول القيادي الناجح لا يحدث في لحظة فراغ، بل هو نتاج رؤية طويلة الأمد تبدأ من اليوم، عبر برامج تأهيل وتدريب فعّالة، وتفويض تدريجي للصلاحيات، وتقييمات منتظمة لقدرات المرشحين.
القيادات لا تُنتظر... بل تُصنع.