حمد عبد العزيز الكنتي
يتزوج الإنسان من أجل إشباع الكثير في حياته، ولكي تكتمل له الصورة المبهرة لمؤسسة الحياة الزوجية يتطلع إلى أن يتجلى معناه وتتحقق أوصافه في ذرية تخرج من صلبه، ويبقي بها أثره الممتد من إرث سلفه القديم، مُحققاً بذلك قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ويظل يبحث عن تذوق طعم الأبوة التي لم تكتشف أسرارها بعد، حتى عند الآباء والأمهات الذين يكتفون بالعبارات التي لا تعبر عن ما يسكنهم من مكنون من المشاعر الجياشة، التي ضاقت عنها العبارة، وعجزت عن وصفها الكلمة التي نسيت أنها كانت البداية وستبقى حتى النهاية.
وفي اللحظة التي يخف تركيزه على إبقاء الأثر، ويستمتع بالعلاقة تنبثق السلالة في قلب النطفة التي تتحوّل الى علقة في الرحم - هذا العالم الذي لم يكتشف الطب جميع أسراره بعد - في تتابع مدهش ودقيق وصفه الله سبحانه وتعالى بقوله في سورة المؤمنون {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.
وتتواصل لحظات تكوّن الانسان في بطن أمه على مدى تسعة أشهر، وصفها الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}، والتي تكون فيها بداية الإنسان في تلك الظلمات، ويكون ختامه في ظلمة القبر، كما قال سبحانه في سورة المؤمنون {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ}.
ولأن الله سبحانه وتعالى تعهد بخلق الانسان في أحسن تقويم قال سبحانه وتعالى في سورة الحج {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ}.
فهي اللحظة التي يقر فيها سبحانه وتعالى في الأرحام ما يشاء، لتأتي الهبة الربانية العظيمة التي يختص الله سبحانه وتعالى ما يشاء من عباده، بقوله في سورة الشورى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا}.