م. بدر بن ناصر الحمدان
يقول تشارلز ديكنز في رواية أوراق بيكويك (1836) «في المدن الكبيرة، لا شيء يثير الدهشة أكثر من الزحام نفسه، كلٌّ يغرق في شأنه الخاص»، وكما يُقال «في الزحام، تشعر أحياناً أنك غير مرئي»، لقد اكتشفت مؤخراً أنني لا أصلح في تلك الأماكن الغارقة بالهدوء والصمت والعزلة، حتى وإن كانت في أحضان الطبيعة، جداول الماء وأصوات العصافير والأشجار التي لا تغادر مكانها باتت تسلبني إثارة المكان وتجعله بلا معنى، بت أجدني في المدن المزدحمة والأماكن المكتظة والشوارع التي تعج بالناس.
لا شيء يضاهي النظر إلى المارة، وأحاديث المقاهي، وضجيج البائعين، وتلك الممرات التي يتوارى بها حديثي العهد بالصخب وصوت الحياة، لطالما بحثت عن تلك الساحات التي يقصدها الناس ويتواجدون بها على سبيل المصادفة، لا لشيء سوى أن نكون في نفس المكان دون أن نلتقي.
أنا لا أحب نهاية اليوم، حيث ينتهي الضجيج ويغادر الناس إلى منازلهم وتعود الأماكن خالية، لا أريد العودة إلى المنزل تفادياً أن يجمعني المساء بذلك الهدوء الذي لا يليق بي.