د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تم عقد اتفاقية بريتون وودز في عام 1944، وهو نظام نقدي عالمي تم إنشاؤه لتثبيت أسعار الصرف وتعزيز التجارة والاستقرار الاقتصادي العالمي بعد الحرب العالمية الثانية، تضمنت الاتفاقية ربط العملات الوطنية بالدولار الأمريكي، والذي كان مرتبطا بدوره بالذهب بسعر 35 دولارا للأونصية، استمر حتى عام 1971 فكت الولايات المتحدة الارتباط، عندما أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة لن تبدل الذهب بالعملة الأمريكية بعد الان، سميت بصدمة نيكسون.
وبالتالي لم تعد قيمة الدولار الأمريكي مرتبطة بالذهب، وأصبح على الاحتياطي الفيدرالي الحفاظ على قيمة العملة الأمريكية، وأصبح الدولار أول عملة احتياط في العالم دون منازع، ما جعل البنوك تتهافت على الدولار من أجل تكوين احتياطياتها، خاصة ان ودائعه كانت مستقرة مثل الذهب إضافة إلى سهولة إدارتها، بالطبع أدى إلى انهيار نظام أسعار الصرف الثابتة، والانتقال نحو النظام الحالي لأسعار الصرف العائمة، وبالتالي هيمن الدولار على الأسواق العالمية.
في المقابل خلال الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي السنوي، تم التوقيع على اتفاقية واشنطن في 26 سبتمبر 1999 وكانت النسخة الثانية عام 2004 تم تمديدها حتى عام 2009 اتفقت البنوك المركزية على ان يظل الذهب عنصرا مهما في الاحتياطيات النقدية العالمية، وأن يحد من مبيعاته إلى ما لا يزيد على 400 طن سنويا على مدى السنوات الخمس 1999 إلى سبتمبر 2004 أي ما يعادل 2000 طن للحد من بيع البنوك المركزية كميات كبيرة من الذهب، خصوصا بعدما أعلنت بريطانيا عن بيع 58% من احتياطياتها من الذهب عبر مزادات البنك الوطني السويسري، مما تسبب توترا في السوق، لذلك اعتبرت اتفاقية واشنطن وأوروبا على الأقل بمثابة وضع حد أقصى للمبيعات الأوروبية، والهدف ألا يستخدم الذهب الرسمي في البنوك المركزية واستخدامه لأغراض المضاربة.
قيمة الدولار الأمريكي مقابل الذهب انخفض 99% منذ فك ارتباطه عام 1971 عندما كان الدولار مسعرا ب35 دولار لكل أونصية من الذهب، فيما أصبح الدولار اليوم يساوي 3500 دولارا لكل أونصية من الذهب.
للدولار رمزية تاريخية حل محل الجنيه الإسترليني بعد الحرب العالمية الأولى، ومنذ 1996 تفوق الذهب على الدولار في احتياطيات البنوك المركزية، وأصبح اليوم يمثل الذهب 27% من احتياطيات البنوك المركزية مقابل 23% للدولار الأمريكي معا يشكلان نصف الاحتياطيات بينما بقية النسبة لبقية العملات.
بعد حرب أوكرانيا اتجهت الصين إلى شراء الذهب هي وروسيا، وأضيف إلى الاحتياطيات ألف طن، وصل إجمالي احتياطيات الذهب في البنوك المركزية نحو 36 ألف طن، تصل القيمة إلى 4.5 تريليون دولار، فيما قيمة السندات بالدولار 3.5 تريليون دولار، وتمتلك الولايات المتحدة أكبر احتياطي من الذهب بنحو 8133 طن، تأتي ألمانيا بنحو 5300 طن، فإيطاليا بنحو 2450 طن، فالصين رابعا بنحو 2300طن، وكذلك فرنسا وروسيا، وتمتلك السعودية أكبر احتياطي عربي بنهاية 2024 بنحو 323.1 طن من الذهب، فلبنان بنحو 286.8 طن، الجزائر بنحو 173.6 طن.
يأتي الذهب كجزء أساسي من الاحتياطيات، ويعكس أهميته كأصل استثماري آمن وسيولة، نظرا لدوره في توفير الأمان والاستقرار المالي، يجعل البنوك المركزية تعتبر الذهب عنصرا رئيسيا في الاحتياطيات النقدية، لتنويع محافظها الاستثمارية بعيدا عن العملات الورقية، مما يعزز دور الذهب كأصل مهم في هذا السياق، مما يجعله محط اهتمام كبير في السياسات الاقتصادية الوطنية.
لا يزال تأثير عملة البريكس الجديدة على الدولار غير مؤكد حتى الآن، ومع ذلك اذا استقرت عملة البريكس الجديدة مقابل الدولار، فقد يضعف ذلك من قوة العقوبات الأمريكية المفروضة على دول البريكس، وحتى الآن لا يوجد تاريخ محدد لإطلاق عملة البريكس باعتبارها عملة احتياطية عالمية جديدة، وهي مستعدة للعمل بشكل مفتوح مع جميع شركاء التجارة العادلة، خصوصا وأن دول بريكس تمثل أكثر من 40% من سكان العالم ومساحته أيضا، ونحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتسيطر على 18% من التجارة العالمية.
تحتوي مجموعة بريكس على عمالقة الاقتصاد العالمي مثل الصين والهند وروسيا والبرازيل، فقد يضعف ذلك هيمنة الولايات المتحدة على الأسواق العالمية، ويرجح كفة ميزان القوة المالية نحو الشرق، ليس هذا فحسب بل بعد الحرب الروسية في أوكرانيا كثر الحديث عن تكوين نظام عالمي جديد، ومدى حاجة الدول إلى نظام اقتصادي أكثر توازنا، كما ازداد الاهتمام العالمي بتحالف بريكس، خصوصا بعدما كانت مجموعة السبع تستحوذ في 1992 على 45.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في مقابل 16.7% لدول البريكس، لكن تغير الوضع في الوقت الحاضر، فأصبحت حصة بريكس 37.4% في عام 2023 مقارنة بحصة مجموعة السبع البالغة 29.3% أي أن الفجوة تتسع وستتسع لا محالة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا