بدر بن عبدالمحسن المقحم
في خضم الأحداث المتلاحقة على صعيد المنطقة العربية، نجد أن الكيان الصهيوني قد أوغل في الإجرام والتدمير والإبادة الجماعية في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة كامتداد طبيعي لرصيده الإرهابي الذي بدأه منذ العام 1948م، بل إن صلفه واعتداءاته طالت الأراضي السورية من أول يوم لسقوط النظام المخلوع في دمشق ومعها بالنتيجة الأراضي اللبنانية، في سابقة لم يشهدها التاريخ الصراع العربي - الصهيوني منذ حرب عام 1967م والغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م واحتلاله لبيروت بضعة أشهر بعد مجازر نفذها بحق مئات من الفلسطينيين واللبنانيين، وهو بهذا السلوك يعيد للأفهام التاريخ الاستعماري للمنطقة من بدايات القرن التاسع عشر الميلادي، من خلال ما ذكره رئيس الوزراء اليميني المتطرف في الدولة العبرية/ نتنياهو مؤخراً عن مضيه قدماً في إقامة إسرائيل الكبرى، ضارباً عرض الحائط بكل قرارات الشرعية الدولية ومستخفاً بكل الاتفاقات التطبيعية مع عدد من الدول العربية ورفضه لكل دعوات السلام العربية وغير العربية، ومع انطلاقة أحداث السابع من أكتوبر عام 2023م بدأ الصهاينة في اقتراف المزيد من جرائم القتل والتدمير لكل ما هو بشر وشجر وحجر في الأراضي الفلسطينية بأعداد تجاوزت (200) ألف ما بين قتيل وجريح ومفقود ناهيك عن النازحين والمشردين، غير عابئة بالنداءات لدول العالم ومنظماته بوقف هذا النزيف وشلال الدم ورفع حصار المجاعة عن سكان قطاع غزة، بل إن الأمر من جهة أخرى طال معظم أراضي سوريا بضرب بنيته التحتية وتحطيم أغلب قواته العسكرية، إضافة إلى المحاولات الصهيونية السافرة في إشعال فتن طائفية وحرب أهلية من خلال دعاوى حماية الأقلية الدرزية ومطالباتها (بحق تقرير المصير). إن الواضح للعيان يؤكد أن إسرائيل لديها نوايا للاستيلاء على المزيد من الأراضي العربية خاصة بعد انتقال السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس عام 2019م الذي يُعد مخالفاً للقوانين والقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. إن ما يحدث هو في اعتقادي إعادة تغيير خارطة المنطقة وتحديداً مشرقه العربي وبما يحاكي الفكر التلمودي المحرّف وينسجم مع المشروع الصهيوني ويلبي مصالح الأطراف الداعمة للدولة العبرية، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها حكومة المملكة العربية السعودية وتشكيلها تحالف من أجل الدولتين (بالتعاون مع فرنسا)، ونجاح الرياض في جذب معظم أعضاء هيئة الأمم المتحدة لذلك التحالف وإعلاالبعض منهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ووعد البعض الآخر استعداده الاعتراف بها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال شهر سبتمبر الحالي، إلا أن الكيان الصهيوني مستمر في حربه الهمجية ضد كل ما هو عربي وفلسطيني على وجه الخصوص؛ بهدف منع قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشريف.
وإزاء هذا الوضع لا بد من تفعيل ما تمتلكه الدول العربية من مقومات أسباب القوة والعمل على تنسيق الجهود على كل المستويات وبالذات المستوى العسكري والأمني، ولعل ميثاق الدفاع العربي المشترك والمنبثق عن الجامعة العربية قد يكون أساساً لهذا الجهد المطلوب ولكن بعزيمة وإرادة لا تنقطع لمواجهة التحديات المحدقة بالوطن العربي، كيف لا والمنطقة سبق أن مرت بعدة حروب إقليمية كالحرب العراقية - الإيرانية التي دامت ثماني سنوات، والغزو العراقي للكويت وما تمخض عنه لاحقاً من نتائج أدت لسقوط بغداد عام 2003م؛ الأمر الذي يستوجب الحذر واليقظة على مستوى الدول العربية وشعوبها وأهمية إدراك تلك المخاطر، مع ضرورة التحام الصفوف بهدف تعزيز الجبهة العربية تجاه ما يحاك ضد الأمن القومي العربي الذي يعتبر كلاً لا يتجزأ ومن منظومة متكاملة وشاملة يشد بعضها بعضا، فأي ثغرة في الجدار العربي سيتم استغلالها من الأعداء للنيل من أمن ومصالح العرب جميعاً.
إن العمل الدؤوب وبناء القوة الشاملة كفيل -بعد الله- بأن يجعل كل متربص بالأمة العربية يحسب ألف حساب، فالأمر لا يتوقف عند القضية الفلسطينية وإن كانت هي القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، ولكن يتعدى ذلك بحيث أصبحت قضية الأمن القومي العربي برمته على المحك وعلى مرمى من نيران الأعداء، وما العدوان على دولة قطر الشقيقة من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي إلا شاهد على ذلك، فالوضع لا يحتمل التأخير بل المبادرة في وضع حد لهذا الطغيان الصهيوني وفضح جرائمها أمام العالم، وتشكيل محكمة جرائم للحرب ضد المتورطين في سفك الدم الفلسطيني، إضافة إلى توظيف كل القدرات العربية والإسلامية لتحجيم خطر هذا العدو، واستنهاض كل الدول المحبة للسلام في اتخاذ موقف حاسم ينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويسهم في إقامة دولته المستقلة ويجبر إسرائيل على احترام سيادة الدول وكف أذاها.