عبدالله إبراهيم الكعيد
ما من كاتب وخاصة كتَّاب المقالات الصحافية (الأعمدة، الزوايا) يكتب إلاّ لكي يُقرأ. كي يوصل رسالته الاتصالية، لكي يسلّط الضوء على قضيّة تستحق الطرح والمناقشة، لكي يوثِّق حدثاً مهماً وتعاطي المجتمع مع تفاصيله، لكي يفنِّد رأي عام بالدعم أو الدحض، لكي يُذكّر بمفاهيم وقيم تتعلق ببنية علاقة أفراد المجتمع بعضهم مع بعض. إلى آخر تلك المؤمّلات. ينتشي الكاتب حين يلمس تجاوباً من القرّاء مع رؤيته التي طرحها، وكثيراً ما أضاف القراء أبعاداً أخرى لأي حكاية تُنشر.
أقول قولي هذا وأنا أستعرض رد الأستاذ سعيد الخبّاز من القطيف وهو موظف سبق وأن عمل ناظراً ثم مديراً للتدريب الأكاديمي في أرامكو السعودية قبل تقاعده المبكر. رد الأستاذ الخباز على مقال (انضبطوا ينضبط أولادكم) يستحق أن أفرد له مساحة أكبر لأهمية وجزالة الأفكار والمعلومات الواردة فيه. لم يتناول صاحبنا المقال من الفاتحة، بل من خاتمته بقوله: إن عبارة «أعطني تلامذة يُشمّرون عن سواعدهم بتشجيع من أهاليهم، يهرعون لمدارسهم في الدقائق الأولى من اليوم الأول في عامهم الدراسي الجديد ويمارسون انضباطاً في سلوكهم العام، أُعطكَ شعباً جاداً مُنتجاً يضبط ساعته البيولوجية كضبط عقارب ساعة البج بن» ليست مجرد أمنية أو حلم ورديّ، بل هي وصفة دقيقة ومعادلة اجتماعية عميقة لبناء الأمم وتقدمها.
ثم يواصل بقوله: إنها رؤية متكاملة تبدأ من البذرة الصالحة في بيئة حاضنةٍ لتُثمر في النهاية مجتمعاً قوياً وراسخا. اسمح لي بالتعمق في كل جزء من هذه المعادلة: قولك «أعطني تلامذة يشمرون عن سواعدهم بتشجيع ودعم من أهاليهم» التشمير عن السواعد ليس مجرد فعل جسديّ، بل هو استعارة بليغة للجاهزية النفسية والذهنية، وللإقدام على العمل الجاد دون تردد أو كسل. إنه إشارة إلى الحماس والرغبة الصادقة في التعلّم والعطاء. هذا الحماس لا يولَدُ من فراغ، بل هو نتاج مباشر لبيئة أسريّة صحية وداعمة. فالأهل يُعتبرون المعلم الأول والمحفّز الأكبر.
حين يغرس الأهل في أبنائهم قيمة العلم والعمل الجاد، وحين يوفرون لهم الدعم المعنوي واللوجستي ويشاركونهم طموحاتهم ويحتفلون معهم بإنجازاتهم صغرت أم كبرت فإنهم بذلك يزرعون في وجداناتهم بذور الانضباط الذاتي والشغف المعرفي. مثل هذه الأسرة الواعية هي الركيزة الأساس التي ينطلق منها الطالب وهو يرى المدرسة بيئة حاضنة للتفتح والنمو، لا مجرّد واجب مفروض.
صفوة القول: إن الحكومات التي تولي الانضباط العام أهمية قصوى في برامج التربية والتعليم تصنع شعوباً سويّة لا مكان فيها للفوضوي ولا للا مبالي أو الكسول المتخاذل. شكراً للأرامكويّ (نسبة لأرامكو السعودية) سعيد الخبّاز على هذه القراءة الواعية لحكاية الانضباط.