خالد محمد الدوس
سبعة أعوام كاملة حصيلتها ثلاثة مؤلفات بذلت فيها عصارة فكري وتعبي وجهدي من البحث والتقصي.. خرجت للنور بين دفتي كتب مطبوعة ما بين كتب أكاديمية واجتماعية.. مع ذلك لم تبادر أي دار نشر بالاتصال على المؤلف تبلغه عن العائدات من المبيعات.. وحق المؤلف من النسبة حسب ما نص عليه العقد المبرم قبل طباعة الكتاب.. ومع الأسف بعض دُور النشر ترى أن قيمة المؤلف أو الكاتب فقط في «شرف النشر»..!! وتتجاهل في الواقع حقه المادي المشروع في ثمرة فكره وجهده وسهره وتعبه سنوات من الركض في ميدان التأليف الرصين خاصة الكتب الأكاديمية.. عملية شاقة تستهلك فكراً وجهداً وطاقة هائلة.. وتتجاوز مجرد الكتابة والتدوين.
يحكي لي بعض الزملاء الأكاديميين حجم معاناتهم مع بعض دُور النشر التي تعطي وعوداً براقة، قبل توقيع العقد وتحديد النسبة من حصة المؤلف.. طبعا البداية حماس.. ثم صمت مطبق.. لا بيانات (شفافة) للمبيعات.. ولا كشوفات حسابية.. ولا ردود على استفسارات.. الرسائل تذهب في فراغ.. والمكالمات تتبعثر بين الأعذار والتجاهل.!
الكُتب تباع، والحقوق تختفي عند بعض دوُر النشر..! يرى البعض كتبه في معارض على رفوف المكتبات ويسمع عن طبعات جديدة أحيانا.. ولكن العائد المادي للمؤلف سراب..!! كيف تباع الكتب ولا تدفع حقوق من يكتبها، البعض من المؤلفين يلجأ للتواصل المباشر مطالباً بحقوقه المادية العائدة من إنتاجه العلمي، والبعض تتجه بوصلة مطالبه بحقوقه إلى مكتب المحامي القانوني بعد أن تتراوح بين الوعود المؤجلة.. الشهر الجاي.. بعد الانتهاء من المعرض..! أو الصمت الذي يصم الأذن، أو حتى التهديد الضمني بعدم التعامل معه مجدداً بعد أن تنكشف أساليب الكذب والمماطلة والتلاعب بحقوق المؤلف.!
سبع سنوات من الانتظار لم أتصل، أو أهدد أو أزبد أو أرعد..!، ولكن في كل مرّة كنت أقول لماذا لا تكون هناك عقود نموذجية موحدة وملزمة تحدد بوضوح نسب المؤلف، ومواعيد الصرف، وعقوبات التأخير تضمن شفافية البيانات، بعد ربطها بالجهة المخولة بالمحاسبة وتطبيق غرامات التأخير..!
أين المشكلة الأساسية والمعضلة الحقيقية في هذا التلاعب بحق الابداع والإنتاج والفكر..؟ هل لغياب الرقابة الداخلية..؟ أو نوم الضمير المهني..!!؟ أو عدم وجود تنظيم مؤسسي من الجهة المشرفة تكفل حق المؤلف المادي..؟ المفترض هناك آلية واضحة تضمن حقوق المؤلفين دون الدخول في دائرة الاتصال والتعقيب ووجع الرأس بلا فائدة طالما أن دور النشر متروكة دون قيود تنظيمية تعيد الحقوق لأصحابها، خصوصاً في عصر الثورة الرقمية التي اختصرت المسافة والزمن في مجالات مختلفة. إن توعية الناشرين بأهمية النزاهة والشفافية كأساس لصناعة نشر قوية ومستدامة، خصوصاً في ظل الممارسات غير المهنية التي تستغل المؤلفين وإنتاجهم المعرفي والعلمي دون مقابل مادي..! وهذه ليست فقط (مهزلة) العقل البشري كما يقول رائد علم الاجتماع العربي الشهير الدكتور علي الواردي، بل تلاعب فاضح، وإهدار صارخ لقيمة الإبداع وجهود الكتّاب بالذات.
أن حماية الحقوق المادية للمؤلف ليست ترفاً بل هي أساس لاستمرار عجلة الإبداع وجودة المحتوى، وازدهار الثقافة التي تشكل أحد الركائز الأساسية لرؤية مملكتنا الغالية 2030 ضمن ما يعرف باسم (القوة الناعمة)، التي تشمل الآداب والفنون والعلوم والتراث الحضاري وكل ما يرسخ الهوية الوطنية والقيم الروحية.
أثق بحرص الجهات المعنية على توفير بيئة مستدامة لحماية إبداعات وحقوق المؤلفين. وأتمنى التدخل العاجل لإنقاذ مستقبل الإنتاج الفكري والعلمي عبر إصدار تشريعات خاص بحقوق المؤلفين المادية، ومنها إلزام الناشر بتقديم كشوفات مبيعات دورية مصدقة للمؤلف والجهة الرقابية، وصياغة عقود موحدة إلزامية تحدد نسباً عادلة للمؤلف ومواعيد صارمة لدفع المستحقات إلى جانب ســّن عقوبات مالية وإدارية رادعة كالغرامات اليومية، أو سحب الترخيص ضد الناشر المتقاعس والمتلاعب بحقوق المؤلفين، وهي ليست أمراً فردياً بل قضية ثقافية وطنية..!!
وقفة:
حماية حقوق المؤلفين ليست ترفا تشريعياً، بل ضمانة لاستمرار الإشعاع الفكري لمجتمعنا الفتي.