إبراهيم بن يوسف المالك
في عالم تتسارع فيه المتغيرات الاقتصادية وتتشابك فيه الأسواق المحلية مع العالمية، يظل التسعير واحدًا من أكثر القرارات الاستراتيجية حساسية وتأثيرًا. فالسعر ليس مجرد رقم يوضع على بطاقة المنتج أو الخدمة، بل هو انعكاس لقيمة، وسياسة، ورؤية، وحتى فلسفة الشركة أو الجهة التي تقدمه.
ومع أن الشركات الكبرى غالبًا ما تتبع أطرًا علمية ومعايير عالمية في تحديد أسعارها، إلا أن الصورة تختلف تمامًا عند كثير من الشركات الناشئة والمتوسطة، حيث يغيب التخطيط العلمي ويحل محله الاجتهاد أو التقليد أو رد الفعل العشوائي. والنتيجة منتجات أو خدمات إما مبالغ في تسعيرها فتفقد القدرة على المنافسة، أو منخفضة السعر لدرجة تهدد استمرارية المشروع نفسه.
الأمر لا يقف عند حدود القطاع الخاص، فحتى بعض الجهات الحكومية الخدمية التي تقدم خدمات بمقابل تواجه تحديات مشابهة: هل التسعير مبني على دراسة تكلفة حقيقية وقيمة مضافة واضحة، أم أنه رقم مفترض يساير السوق أو يغرد خارجه؟.
في النهاية، أي قرار تسعير - سواء في القطاع العام أو الخاص - ينعكس مباشرة على المستهلك، على قدرته الشرائية، وعلى المساحة المتاحة له في دخله. إذا أُخذت هذه المعادلة في الحسبان، يمكن أن يكون السعر أداة لزيادة الرضا وتعزيز الثقة، أما إذا أُهملت، فقد يتحول إلى عبء يحد من حرية المستهلك ويضغط على خياراته. وهنا يظهر الفرق بين من ينظر للتسعير كأداة مؤقتة لزيادة الإيرادات، ومن يراه جزءًا من استراتيجية شاملة للتسويق والاستدامة.
الجمعيات العالمية مثل الجمعية الأمريكية للتسويق والبنك الدولي وغيرها تضع أطرًا واضحة تأخذ في الحسبان عناصر التكلفة، والقيمة المدركة، والمنافسة، والمرونة السعرية، وحتى البعد النفسي للسعر في ذهن العميل. ومع ذلك، فإن غياب هذا الوعي في بعض الأسواق يؤدي إلى خروج مشاريع من المنافسة قبل أن تجد فرصتها الحقيقية للنمو.
في النهاية، يبقى التسعير فنًا بقدر ما هو علم، مزيجًا من الحسابات الدقيقة وفهم السلوك البشري.
والسؤال الذي ينبغي أن يطرحه كل من يضع سعرًا: هل أسعاري تعكس القيمة الحقيقية التي أقدمها، وتراعي المستهلك، وتضمن استمراريتي… أم أنها مجرد رقم آخر في سباق السوق؟.