د. محمد بن إبراهيم الملحم
هذه السلسلة أختمها اليوم بعد أن قدمت عددا من الاستشهادات الدولية حول هذه الرافعة (ممثلة في الذكاء الاصطناعي) AI وذكرت تجربة أربع دول متقدمة تعليميا لنستلهم منها ونقتدي بها، وهي أستونيا وكوريا وبريطانيا وسنغافورة، ولوتساءلنا كيف يمكن للذكاء الاصطناعي دعم معلمينا في السعودية؟ فإن هناك عدة فرص وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: أولاً التقييم الفوري لأداء الطلاب حيث تتيح أنظمة AI إمكانية تحليل إجابات الطلاب بشكل مباشر، مما يمكّن المعلم من معرفة مكامن الضعف لدى كل طالب أثناء الحصة، ومثال هذا التطبيق ما نفذ في سنغافورة كما ذكرنا حيث تُستخدم منصات تعليمية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتوليد خطط دعم فردية لكل طالب خلال أيام بدلًا من أسابيع بالطريقة التقليدية، وثانياً يمكن تصميم دروس مخصصة بتقنيات التعلم التكيفي (Adaptive Learning) وهي تسمح للمعلم بتقديم محتوى لكل طالب يختلف عن الطالب الآخر، وذلك بناءً على مستوى فهم وسرعة تعلم كل منهم التي سيفهمها النظام من خلال التعامل المسبق مع جميع الطلاب، ففي فنلندا مثلاً تمكّن منصة «Claned» المعلمين من متابعة تقدم الطلاب وتقديم أنشطة إثرائية أو علاجية بشكل شخصي لكل منهم، وثالثا تخفيف الأعباء الإدارية فمن أكبر التحديات التي يواجهها المعلم (الجاد والمخلص) الوقت المستنزف في إدخال علامات اختباراته القصيرة والمتوسطة وإعمال التقييم الأخرى، وكذلك تحضير أوراق العمل، بينما يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أتمتة هذه العمليات عند اعتماد نظام تعليمي إلكتروني بالمدرسة يقوم على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتيح وقتًا أكبر للتدريس الفعّال، ورابعا تطوير مهارات المعلم بشكل مستمر فأنظمة التدريب المدعومة بالذكاء الاصطناعي يمكن أن تقدم للمعلم خطط تعلم شخصية، تشمل مقاطع فيديو تدريبية، دروس قصيرة، وتمارين عملية مرتبطة بمجال تدريسه، كما يمكن للمعلم المبتدئ إدخال ما وجهه من مشكلات لهذا النظام ليقدم له إجابات ومساعدة، كأن تكون هذه المشكلات مثلاً في ضبط الصف أو في شرح مفهوم صعب أو في ابتكار وسيلة شرح.
وفي أستراليا، تقدم منصات AI توصيات تدريبية فورية للمعلمين بناءً على ملاحظات الصف أو بيانات أداء الطلاب.
بلادنا -ولله الحمد- تمتلك حاليًا بنية تحتية رقمية قوية بفضل الاستثمار في مبادرات مثل منصة مدرستي ومدارس التعليم المدمج، مما يجعل إدماج الذكاء الاصطناعي أمرًا ممكنا وقابلًا للتنفيذ على نطاق واسع، ومع دعم رؤية 2030، يمكن أن يكون هذا التحول نقطة فاصلة ترفع جودة التعليم إلى مستويات الدول المتقدمة. ولضمان الاستفادة القصوى من مثل هذا التوجه فإنه ينبغي أن يصاحب مثل هذه الأنظمة إطلاق برامج تدريب إلزامية للمعلمين على استخدام أدوات AI في التحضير والتقييم، وتجربة منصات تعليمية تكيفية في عدد من المدارس كنموذج تجريبي، ثم تعميمها بعد إثبات فعاليتها، والتعاون مع شركات تقنية عالمية للاستفادة من الخبرات المتقدمة، مع ضمان حماية بيانات الطلاب، وتضمين أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في المناهج لضمان الاستخدام المسؤول. إذا تم استغلال الإمكانات التي يقدمها الذكاء الاصطناعي، فيمكن لمعلمينا أن يتحولوا من منفّذين للمناهج إلى مُصمِّمين لتجارب تعليمية مخصصة، مما ينعكس بشكل مباشر على مستوى التحصيل الدراسي، ويعزز موقع المملكة ضمن التصنيفات العالمية للتعليم.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً