محمد الخيبري
لم يعد الجدل حول مستوى التحكيم السعودي في مباريات دوري المحترفين مجرد حوار هامشي، بل تحوّل إلى قضية محورية تسيطر على النقاشات الإعلامية والجماهيرية، وتلقي بظلالها على عدالة المنافسة.. فمع كل جولة، تتجدد حالة عدم الرضا عن أداء الحكام المحليين، وتتصاعد المطالبات بالاعتماد الكامل على الصافرة الأجنبية، في مشهد يعكس حالة من عدم الثقة المتجذرة.
الشارع الرياضي السعودي، بمختلف أطيافه، أصبح يرى في الحكم المحلي نقطة ضعف تؤثر بشكل مباشر في نتائج المباريات ومصير الألقاب وتكون الرؤية والرأي النهائي في الحكام السعوديين أنه لم ينجح أحد.
الأخطاء التحكيمية المؤثرة، سواء كانت قرارات خاطئة في احتساب ركلات الجزاء أو إغفال حالات طرد واضحة، باتت تتكرر بشكل لافت، مما يثير تساؤلات جدية حول مدى تأهيل الحكام المحليين لإدارة مباريات ذات أهمية قصوى في دوري يضم نجومًا عالميين.
في هذا السياق، يقف الاتحاد السعودي لكرة القدم في موقف حرج، حيث يجد نفسه بين نارين: الرغبة في تطوير الحكم السعودي وإعطائه الفرصة، ومطالبات الأندية والجمهور المتزايدة بضمان العدالة وتفادي الأخطاء..
وقد جاء قرار الاتحاد برفع تكاليف استقدام الحكام الأجانب كحل «إجباري» غير مباشر، يهدف إلى تقليل الاعتماد على الحكام غير المحليين، وتشجيع الأندية على منح الثقة للصافرة الوطنية. لكن هذا القرار، رغم دوافعه المعلنة، وضع الأندية ذات الموارد المالية المحدودة في مأزق حقيقي..
ففي حين تستطيع الأندية الكبرى التي تحظى بدعم مالي قوي تحمل تكلفة الطواقم الأجنبية التي قد تصل إلى مئات الآلاف من الريالات للمباراة الواحدة، تجد الأندية الأقل حظًا في الدعم نفسها مجبرة على الاعتماد على الحكم المحلي، رغم عدم ثقتها في قدرته على إدارة المباريات الحاسمة..
هذا الوضع يخلق حالة من «التحكيم على المكشوف»، حيث تبدو الأندية الكبرى وكأنها تضمن تحكيمًا أكثر عدالة بفضل قدرتها المالية، بينما تترك الأندية الأقل حظًا لمواجهة مصيرها مع أداء تحكيمي يراه الكثيرون غير موثوق به. هذا التفاوت يهدد بمبدأ تكافؤ الفرص الذي هو أساس أي منافسة رياضية نزيهة.. لا يقتصر تأثير المطالبات المستمرة بالتحكيم الأجنبي في تراجع الثقة في الحكم المحلي فحسب، بل يمتد ليصبح عقبة حقيقية أمام تطوره..
فبينما يرى البعض أن إبعاد الحكام المحليين عن المباريات الكبرى هو الحل الأمثل لتفادي الأخطاء، إلا أن هذا الإبعاد يحرمهم من الاحتكاك المباشر مع مستويات عالية من التنافس، مما يحد من فرص صقل مهاراتهم واكتساب الخبرة اللازمة.
هذا المأزق يضع الحكم السعودي في حلقة مفرغة: فالأندية لا تثق به، والجمهور يطالب بإبعاده، في حين أن الاتحاد السعودي لكرة القدم لا يمنح الأندية الحرية المطلقة في طلب حكام أجانب برسوم متاحة للجميع، ولا يضع خطة واضحة وملموسة لتطوير الحكم المحلي بشكل جاد وممنهج.
هذا الجمود يجعل من تطوير التحكيم مجرد شعار، بينما الواقع يؤكد أن الحكم المحلي أصبح ضحية لسياسات متخبطة تسببت في فقدان الثقة بين جميع الأطراف.. إن تطوير التحكيم ليس مجرد مسألة تدريب وصقل للمواهب، بل هو بناء الثقة المفقودة بين الحكم والجمهور..
هذه الثقة لن تعود إلا بقرارات حاسمة وشفافة، وتوفير الدعم الكافي للحكام لتطوير أنفسهم، وفي الوقت نفسه، إعطاء الأندية حرية الاختيار دون ضغوط مالية، لضمان أن تبقى كرة القدم لعبة عدالة وتنافس، لا لعبة مال وقرارات تحكيمية متنازع عليها.
قشعريرة
لطالما كان المنتخب السعودي مصدر فخر للجماهير، لكن في الآونة الأخيرة، تزايدت حالة القلق حول مستقبله.
الأداء غير المطمئن في المحافل الدولية، والنتائج المترنحة، تدق ناقوس الخطر وتطرح سؤالاً جوهرياً هل هناك خلل في منظومة الكرة السعودية؟
المشكلة لا تكمن في قلة الشغف أو الدعم المالي، بل في الأنظمة واللوائح التي يضعها الاتحاد السعودي لكرة القدم. ورغم أن هذه الأنظمة تهدف إلى رفع مستوى الدوري وجذب الاستثمار، إلا أنها أصبحت، في المقابل، تشكل عائقاً أمام تطور اللاعب السعودي وتألقه، خاصة مع العدد الكبير من اللاعبين الأجانب المحترفين، والذي وصل إلى 10 لاعبين لكل نادٍ. هذا العدد الكبير من الأجانب، وإن أضفى على الدوري بريقاً عالمياً، إلا أنه استحوذ على أهم المراكز الحساسة في الملعب.. فمن النادر اليوم أن تجد مهاجماً سعودياً أساسياً في نادٍ كبير ينافس على البطولات، أو حارس مرمى سعودياً يمتلك الخبرة الكافية في المباريات الكبرى..
المشكلة تتفاقم في الخطوط الخلفية ووسط الملعب أيضاً. قلوب الدفاع والمحاور أصبحوا حكراً على اللاعبين الأجانب، الذين يفرضون سيطرتهم على هذه المراكز بحكم خبرتهم وقوتهم البدنية.. هذا الوضع أضعف بشكل كبير من فرص بروز المواهب السعودية في هذه المراكز الحيوية، وأدى إلى ندرة اللاعبين المحليين القادرين على تولي هذه المهام بفعالية في المنتخب الوطني..
إن الاستثمار في اللاعبين الأجانب يجب أن يكون أداة لرفع مستوى اللاعب المحلي، وليس بديلاً له. على الاتحاد السعودي أن يجد التوازن الصحيح بين جذب النجوم العالميين وتوفير فرصة عادلة للمواهب الوطنية.. فالمنتخب لا يُبنى بالنجوم المستوردة، بل باللاعبين الذين ينشؤون ويتطورون في بيئة رياضية صحيحة تمنحهم الفرصة للبروز والاحتراف.