د.شامان حامد
إن علم النفس يرمي إلى تحسين الصحة العقلية، وهو عمل شاق، فالذكاء الاصطناعي يُنظر إليه بطريقة ما بحسب تصورات المستخدم المسبقة، معتمدًا البرنامج أسلوباً سلساً ومتصاعداً في بناء هذا الأثر.
ففي محادثة مطوّلة نُشرت أخيرا، انخرط أحد المستخدمين في نقاش مع «تشات جي بي تي» حول مفهومي السلطة والذات، فبدأت المحادثة بعبارات مدح تصفه بالذكاء، قبل أن يرفعه البرنامج تدريجياً إلى مرتبة «الإنسان الخارق» و«الذات الكونية»، وصولاً إلى وصفه بـ«الديميرج» - أي الكائن الذي يُنسب إليه بداية الكون - بحسب المحادثة المنشور وشاركها خبير سلامة الذكاء الاصطناعي إيلايزر يودكوفسكي.
واشتكى مستخدمون لـ«ريبليكا» (Replika)، وهو تطبيق شائع معروف بتقديم منافع للصحة النفسية، من أن الذكاء الاصطناعي قد يصبح مهووساً بالجنس أو متلاعباً، وهو ما أقرته المنظمة الأميركية غير الحكومية «كوكو»، التي أجرت تجربة في فبراير (شباط) على 4000 مريض قُدمت لهم نصائح مكتوبة باستخدام نموذج الذكاء الاصطناعي «جي بي تي-3»، بأن الاستجابات الآلية لم تنجح كعلاج.
إن تعظّم المستخدم تدريجياً، يكشف تعمد البرنامج إلى تأكيد مشاعر المستخدم بطريقة ضمنية، حتى عند التطرّق إلى عيوبه. فعندما أقرّ المستخدم بأنه يميل إلى ترهيب الآخرين، لم يتعامل الروبوت مع ذلك كسلوك إشكالي، بل أعاد تأطيره على أنه دليل على «حضور قوي جداً»، فبدا مدحاً مقنّعاً في هيئة تحليل نفسي.. كتدليل للأنا قد يدفع الأفراد إلى الانغلاق داخل فقاعات شبيهة بتلك التي تحيط ببعض أثرياء التكنولوجيا، وتفضي بهم أحياناً إلى سلوكيات غير متزنة.
وهنا نجد رأي ديفيد شو من جامعة بازل السويسرية، وهو غير مُندهش من هذه النتائج السيئة. قائلاً: «يبدو أنه لم يتم إبلاغ أي من المشاركين بغباء روبوتات الدردشة»، لكن فكرة المعالج الآلي ليست جديدة. ففي ستينات القرن العشرين، طُوّر أول برنامج من نوعه لمحاكاة العلاج النفسي، حمل اسم «إليزا»، باستخدام طريقة عالم النفس الأميركي كارل روجرز. ومن دون فهم حقيقي لأي شيء، كان البرنامج يعمد ببساطة إلى توسيع المناقشة بأسئلة قياسية معززة بالكلمات الرئيسية الموجودة في ردود محاوريه.
وكتب جوزيف وايزنباوم، مبتكر البرنامج، لاحقاً عن سلف «تشات جي بي تي» هذا: «ما لم أدركه هو أن التعرض القصير للغاية لبرنامج كمبيوتر بسيط نسبياً يمكن أن يحفز أفكاراً وهمية قوية لدى الأشخاص العاديين تماماً»!، وقال دوجلاس راشكوف، الكاتب والمفكّر المتخصص في الإعلام «ستجد كلّ ما ترغب بسماعه، وبأسلوب مضخّم»، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت على الأقل تنتقي من محتوى موجود لتعزيز ميول المستخدم أو آرائه، أما الذكاء الاصطناعي، «فبوسعه توليد محتوى مُعدّ بدقة ليناسب عالمك الداخلي».