د.محمد بن عبدالرحمن البشر
رأى العالم وسمع عن الهجوم الإسرائيلي على قطر، حدث عجيب غريب دون رادع أخلاقي أو منطقي أو عقلي أو سياسي أو اقتصادي، لا مبرر ولا مخرج ولا طرح يمكن قبوله لهذا الفعل المشين، قطر ليست في حرب مع إسرائيل، ولا جارة لها، ولا قريبة منها، بل تبعد عنها آلاف الكيلومترات، وقطر لديها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وبها نحو عشرة آلاف جندي أمريكي ترصد كل شاردة وواردة، وقطر وسيط فاعل ومهم مع مصر والولايات المتحدة في الحرب الإسرائيلية على غزة، وقد حققت هذه الوساطة الإفراج عن عشرات الرهائن لدى حماس من الإسرائيليين، وقطر استضافت الجناح السياسي لحماس بطلب من الولايات المتحدة الأمريكية وتل أبيب، كما تقول قطر، وكان الوفد الإسرائيلي المفاوض يتردد على قطر ليتفاوض مع الوسطاء، وما هو النفع السياسي أو العسكري الذي سوف تجنيه إسرائيل من مهاجمة حماس في قطر لا شيء، ربما سوى مصلحة شخصية لنتنياهو واليمين المتطرف للبقاء في الحكم ولتجنب نتنياهو تقديمه للمحاكمة.
المملكة كان موقفها بجانب قطر الشقيقة واضحاً وحازماً وجلياً، ودانت بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الغاشم على الدوحة، ورأت أن في ذلك خرقاً لسيادة دولة خليجية عربية شقيقة أمنها جزء لا يتجزأ من أمن المملكة، والاعتداء عليها يعتبر اعتداء على المملكة، وهي تقف مع قطر في خندق واحد، وقد وصلت الرسالة إلى إسرائيل وداعميها.
ادعت إسرائيل أنها استهدفت قادة حماس التي هي في نفس الوقت تفاوضهم، وكان الاستهداف في بلد وسيط بين الطرفين للوصول إلى حل النزاع وعودة بقية الرهائن، أليس هذا تصرفاً عجيباً غير مفهوم وغير مفيد لإسرائيل الكيان، لكنه قد يكون هروباً إلى الأمام من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي حتى يهرب من تقديمه للمحكمة، وسيظل هذا التصرف الأرعن نقطة تحول في نظرة القيادات والشعوب إلى إسرائيل التي زعم البعض أنها تنشد السلام، وتسهم في الرفع من القدرات الاقتصادية والسياسية للمنطقة، وقد تبين بجلاء أن هذه ليست الغاية، لكن الأمر خليط بين مصالح شخصية وأيديولوجية واستراتيجية ترمي إلى سلب الأرض والهيمنة السياسية والاقتصادية، وربما تفكيك الدول العربية كما تحاول فعله في سوريا.
دان العالم جميعاً اعتداء إسرائيل على قطر، حتى الولايات المتحدة الأمريكية قال رئيسها ترامب إنه غير سعيد بما حدث، وطلبت قطر جلسة طارئة لمجلس الأمن وتمخض عن بيان صحفي يدين فيه الاعتداء على قطر، دون ذكر إسرائيل، ومن المؤكد أن هذا ما أمكن الحصول عليه.
تم عقد اجتماع قمة خليجية وعربية وإسلامية في الدوحة، وكلنا سمعنا البيان الختامي، وكلمات القادة، ومواقفهم الداعمة لقطر والمشددة على اتخاذ خطوات عملية منها مراجعة الاتفاقيات البينية، واتخاذ تدابير قانونية في المحاكم الدولية تدين الأفعال التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وصدور الأحكام المترتبة على ذلك.
الحكومة الأمريكية تريد أن تستمر قطر في الوساطة، ويقول الرئيس ترامب إن على إسرائيل توخي الحذر عند التعامل مع الحلفاء، لكنه لم يزجر إسرائيل على فعلتها، كما أن نتنياهو مازال يواصل نيته ملاحقة قيادات حماس في كل مكان، ومازال يقتل ويدمر في غزة، ويدعي المظلومية من العالم جميعاً.