د.عبدالإله موسى آل سوداء
لا أدري حقًا عن السبب الكامن خلف تَمسُّك بعض الجهات والمؤسسات بالأرقام العربية ذات الأصل الهندي، في وقتٍ تتزايد فيه الحاجة إلى توحيد استعمال الأرقام في جميع المحررات المكتوبة؛ لتتسق مع الأرقام المستَعمَلَة عالميًا، ذلك أنّ هذه الأرقام إنما هي رموزٌ تشير إلى أعداد، وليستْ ألفاظًا ومعاني نَجد جذورها في معاجم اللغة، فنتعصب لها، ونغار ألاّ تُستعمَلَ في مُحَرّراتنا ومكاتباتنا، بل هي استعمالٌ مُستَحدَثٌ في زمن أبي جعفر المنصور(تُوفي 158هـ) وهي إلى ذلك مأخوذة مِن كُتب الفلك الهندية، ثم جَرَى تحويرُها على مر السنين لتستقر على ما هي عليه الآن.
إن الأرقام العربية ذات الأصل الهندي والمستعملَة اليوم في معظم كتاباتنا العربية، تفتقد للدقة، وتُحدِثُ لَـبْـسَـاً في بعض رموزها، بعكس الأرقام العربية المُستعمَلَة الآن في اللغة الإنجليزية، التي أخذَهَا الإنجليز عن المغاربة العرب قبل عدة قرون، فهذه الأرقام يُلحظُ أنها دقيقة في التعبير عن الأعداد، وتتميز ببنيةٍ هندسية تَمنع الالتباس، حيث كُلُّ رقمٍ يساوي عدد زواياه، ولاسيما إذا نظرنا إلى أصولها في الرسم. وهي ملحوظةٌ نَجد بُرهانَ صحّتِها في اختيار بعض الجهات الحكومية لها؛ طَلَبًا للدقة والوضوح، ومَنْعًا للإشكال في فَهْم المتلقي، حيث تَنُصُّ عديدٌ من الجهات والمؤسسات على أنه يُفَضَّلُ استعمالُ الأرقام الـمُتَعَارَف استخدامُها في اللغة الإنجليزية، وهي أرقامٌ عربيةُ الأصل. ويُرصَدُ هذا في الأدلة التحريرية للجهات الحكومية التي تشير إلى أصالة هذه الأرقام من حيث عُروبَتُـها. ويُمكن رَصْدُ ذلك في الآتي:
1- دليل تحرير أرامكو، حيث نَصَّ على تفضيل استعمال الأرقام (العربية المغربية) في مطبوعات الشركة كافةً، واستثنى من ذلك المراسلات الرسمية الحكومية. ويَغلبُ على ظني أنّ أرامكو هي صاحبة المبادرة في هذا الشأن؛ نَـظَـرًا إلى أنّ دليلها التحريري يُـعَدُّ من أقدم الأدلة التي أُنشِئَتْ لضبط المُحرَّرات الإدارية ضِمن نطاقٍ إداري مُعين، وكان أول إصدار له عام 2015م.
2- دليل الهوية البصرية لهيئة الحكومة الرقمية، وفيه إشارة إلى أن الصياغة المعتمَدَة هي الأرقام العربية المستعملة الآن في الإنجليزية، في حين يُقتَصَر على استعمال الأرقام (العربية الهندية) في الخطابات الرسمية فقط.
3- دليل الكتابة الإدارية لصندوق الشهداء والمصابين والأسرى والمفقودين، وهو لم يَنُصّ على تفضيل استعمال الأرقام العربية المستعملة عالمياً، ولكنه أوردَ نماذج من خطاباته ومُحَرَّرَاته تتضمن أرقامًا (عربيةً مَغربية)، ولم يُضَمِّـنْ نماذجَه أرقامًا (عربيةً هندية) فيما اطّلعتُ عليه. ومِـثْلُه الدليل التحريري لوزارة الصحة.
4- دليل المراسلات الكتابية لوزارة المالية، ويُرصَدُ اختيارُ الدليلِ للأرقام (العربية المغربية) بالنص.
5- دليل كتابة الأعداد في النشرات والتقارير الإحصائية للهيئة العامة للإحصاء، وفيه تأكيدٌ على استعمال الأرقام (العربية المغربية) في جميع المحررات الإدارية ما عدا الخطابات الرسمية الموجهة إلى الجهات الحكومية؛ فيُستعمل فيها الأرقام (العربية الهندية).
هذه الجهات وربما فاتني غيرُها، فَضَّلَتْ استعمالَ الأرقام (العربية المغربية) دون أنْ تُوضّح أسبابَ التفضيل، ويُمكنُ تفسير عدم إيضاحها الأسباب بأنها لا تريد الدخول في جدالات لا طائل من ورائها، ما دام أنّه ثَبَتَ لها صحةُ انتساب الأرقام المستعملة الآن في الإنجليزية إلى العربية، وهو انتسابٌ نَجد دليله في التسمية الغربية للأرقام المستعملة لديهم: Arabic Numerals، فهم يَنسبونها إلى العرب صراحةً، وإذَنْ؛ فلا غرابة حين تُفَضِّلُ هذه الجهات استعمالَ هذه الأرقام، وهو تَفضيلٌ له ما يُسوّغُه، إذا نَظرنا إلى الالتباس الذي يقع في استعمال الأرقام (العربية الهندية) ولاسيما بين العددين (اثنين و ثلاثة) ، وكذلك (الصِّفْر) الذي يَبدو كنقطة صغيرة لا تَكاد تُرى، وتَلتبسُ أحيانًا بنُقاط الحروف أو النقطة في آخر الجملة أو آخر الفقرة.
وإلى جانب ذلك يُلاحَظ بأن الأرقام (العربية الهندية) مِـطْواعَةٌ للتزوير، لِـمَنْ تُسَوِّلُ له نفسُه ذلك، وأيضًا قد تُحدِثُ إرباكاً حين تُستعمل في تسجيل الحقوق المالية أو الإحصائيات المهمة، ولهذا يُرصَدُ التأكيد على كتابة الأعداد بعدَها بالحروف؛ لأن الأرقام (العربية الهندية) مَظِنّةُ اللبس والإشكال. كما يُرصَدُ اللبس أيضًا بين العدد (ستة و تسعة)، والعدد (خمسة) الذي يُرسَمُ كأنه هاء، وهي التي نَجدها في كلمة (مياه) أو (جِباه). وكذلك العدد (واحد) يَلتبس بالألف، في حين أنه في الأرقام (العربية المغربية) يأتي بزاوية في أعلاه، وكذلك في الأرقام الأخرى يأتي واضحًا لا يَلتبس بالحروف أو علامات الترقيم.
ومن المفارقات، أن أحد الباحثين الذين أطالوا النَفَسَ في هذا الموضوع وهو الباحث: صالح بن إبراهيم الحسن، في كتابه: «أرقامنا: الحقائق والحقيقة المغيّبة»، أشارَ في الصفحة 242 إلى أن ما يُعرف الآن بالأرقام (العربية المغربية) هي الأقرب للأرقام الهندية، وأنّ الأرقام (العربية المشرقية) قد تطورتْ تطورًا هائلاً قَطَعَها عن أصلها الهندي، ولاءمها بصورة تامة مع رسم الحروف العربية!
ومهما قيل أو سيُقال في مسوغات الإبقاء على استعمال الأرقام (العربية الهندية)؛ فقد بات من الواضح أن الأرقام (العربية المغربية) المستعمَلَة الآن في الإنجليزية؛ فَرَضَتْ نفسَها، وأبانَتْ عن مَزيّتـها، بما تتسم به من الوضوح والدقة وعدم إرباك المتلقي في فهم رموز الأعداد، وعليه؛ فبتفضيلها في الكتابة العربية سنتفادى الازدواجية في البرمجيات وقواعد البيانات، وسَنَـسْلَمُ من التذبذب في الاستعمال، وتناوُب الأخذ بالصورتين، سواء لدى الأفراد أو الجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وهي ازدواجيةٌ وتذبذبٌ وتَناوُبٌ يُشكّلُ تَناقضًا منهجياً في كتابة الـمُحَرَّرات بأنواعها المختلفة، ويَتَطلّب حزْمًا وإقدامًا على الأخذ بالصورة الأفضل والأدق، وهي الصورةُ التي تتمثّل في الأرقام (العربية المغربية) المستَعمَلَة الآن في الإنجليزية.