فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
الحمد لله والشكر والامتنان لما قدر المولى سبحانه وتعالى وكتب (رسل السلام) رسالة محبة وعطاء ورحمة. نبعت، ثم انتشرت وأوصلت ما تحمله هذه الأرض أرض السلام، وإنسانها من مشاعر إلى من يحتاجها في أي أرض وزمان، ولأي سبب كان. دعوة تواصل، غرد صداها بكلمات من قلب محب لأخيه الإنسان، مهما كان أصله أو عرفه أو دينه. دعوة نبعت من أرض الحرمين الشريفين في وقت كنا أحوج ما نكون إليها ليحملها شباب الأمة. رسالة سلام ومحبة وعون لا يرجو منها سوى وجهه تعالى خدمة للإنسان والإنسانية.
دشنت تلك الدعوة قبل ما يقارب خمس عشرة سنة في رحاب جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) تحت رعاية ملكية بحضور ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر الرئيس الفخري للصندوق الكشفي العالمي، ودعم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
توافق التدشين مع دعوة مجلس إدارة الصندوق وأعضاء زمالة بادن باول من الداعمين للكشافة للاجتماع في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وبحضور مئات الكشافة العالميين وآلاف السعوديين. وكانت تظاهرة عالمية أسست لهذا المفهوم الكبير.
وتستمر وتتجدد رسالة قيادتنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وبدعم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال رؤيتنا لتعود هذه الأيام رسالة (رسل السلام) محلقة إلى موطنها بعد أن هجرها أهلها ومؤسسوها لفترة لم يتوقف تحليقها عالمياً على أكتاف شباب العالم لتوصيل رسالة (رسل السلام) رسالة الإسلام، بل هي رسالة جميع الأديان، فعلى مر العصور ومنذ أن خلق الله الإنسان كان السلام هو الفطرة التي أنعم بها الخالق على عباده البشر على الرغم من اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وحضارتهم. ولغة السلام، هي خطاب إنساني سامٍ ونبيل يؤسس لمفهوم الحوار والتواصل والعطاء ومساعدة الآخر والوقوف مع المحتاج.
كانت ولادة رسل السلام من رحم جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) في عام 2011م، حيث وضعت أمام كشافة العالم تحديات تتمثل في تطوير مهارات الحوار والعمل من أجل السلام في مجتمعاتهم، وتبادل المعرفة بين البلدان الأخرى.
وأتذكر عندما حضرت الجامبوري التجمع الكشفي العالمي عام 2010م بالسويد وتشرفت بدعوة كريمة من جلالة ملك السويد لتناول طعام الغداء في مقره الصيفي، شاركنا عدد من الكشافة العالميين، وعند سؤال أحد الكشافة السويديين: ماذا يعني لهم برنامج (رسل السلام) كشباب كشفي؟ أجاب وبدون أي تردد قائلاً: لقد أعطانا سبباً، (It gave us a cause).
الآن وبعد أربعة عشر عاما وبما يقارب البليونين وسبعمائة مليون (2.700.000.000) ساعة عمل تطوعي و(16.000.000) بستة عشر مليون مشروع قام بها نحو (32.000.000) اثنين وثلاثين مليون كشاف في 187 بلداً ومقاطعة مثل هونغ كونغ. يتردد القول: إنه منذ أن أسس السير (بادن باول) الحركة الكشفية العالمية، لم يطور ويحرك ويجمع شباب العالم برنامج كبرنامج (رسل السلام).
فالحمد لله والشكر لله - سبحانه وتعالى - أن سخر لهذه الرسالة الصادقة النقية من يحملها بقوة وأمانة وعمل إنساني تطوعي شريف وكريم. ويوصلها لمن هو بحاجتها في أي مكان من عالمنا.
وبما أن هذه الدعوة غرست بدورها في هذا البلد المعطاء، وبما أننا نرى زيادة الدعم من حكومتنا الرشيدة إلى خمسة ملايين دولار (5.000.000) سنوياً وللعشرة أعوام القادمة.
تحتفي هذه الأيام بقدوم صاحب السمو الملكي ولي عهد دولة دوقية ليكسيمبورغ الكبرى الأمير غيوم جان جوزيف ماري الذي ثمن دعم المملكة لرسل السلام خلال حفل إطلاق مشاريع مرحلتها الثانية، والذي سيوقع عليه بإذن الله، وههنا يجب أن تحمل مسؤولية استدامتها وتقديم ما في وسعنا لتطوير قدراتها لإيصال رسالتها، وأرى شقين أساسيين لتدعيم (رسل السلام):
أولاً- بما أنها نبعت من منطقة مكة المكرمة، وبما أن من مهام الكشاف السعودي التي نفتخر بها هي خدمة زوار وحجاج بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة: فهنا يجب أن يقام مقر دائم ومتطور في منطقة مكة المكرمة لاستضافة كشافة العالم الإسلامي، وتعريفهم بروح الرسالة الإنسانية التطوعية، ومشاركتهم على أرض الواقع مع زملائهم الكشافة السعوديين مهام خدمة إخوانهم المسلمين والتعرف عليهم، كذلك الاطلاع على ما قامت به دولتنا - أعزها الله وحماها - من مشاريع عملاقة خدمة لراحة وسلامة إخواننا المسلمين من حجاج ومعتمرين.
ثانياً- لأن مسؤولية الكشاف تتطلب التدريب على المهام التي يقوم بها وتطوير قدراته، فلابد من مركز عالمي يُفسح المجال الكشافة العالم من التواجد لفترات يتدربون فيها على المهام التي توكل إليهم، كذلك التعرف على بعضهم بعضاً، وتطوير لغة الحوار فيما بينهم وليس هناك أنسب من مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بالتعاون مع مركز الملك سلمان للخدمات الإنسانية ليكون مصدراً للاستفادة من سجل الشباب المتطوع والمتدرب في المركز متى ما كانت الحاجة لهم وفي أي مكان من العالم. كذلك إقامة صرح يعرف العالم بنا.
ويوصل رسالة رسل السلام التي نبعت من أرضنا وبأمل إنساننا.
ختاماً أتوجه بدعوة صادقة إلى قيادتنا الرشيدة وتماشياً مع توجهاتها السامية التي مكنها المولى وأعانها. وأخص الزملاء وفقهم الله في وزارة التعليم. بتحول يقودنا إلى رؤية نشارك فيها بناء مستقبل وطن وأمة. رؤية تؤكد على دور مؤسسات المجتمع المدني في مسيرة التنمية المستدامة، وعلينا أن نسارع في إعلان جمعية الكشافة السعودية كجزء من تلك المنظومات.
داعياً الله القدير أن يحقق كل مسعى صادق أمين. يخدم الأهداف النبيلة السامية التي يحملها برنامج (رسل السلام) في إيصال رسالته خدمة للإنسان والإنسانية وأسأل الله أن ييسر لنا طريق الفلاح إنه سميع مجيب.