د. ناهد باشطح
فاصلة:
«الجلوس إلى المائدة معا أهم فعل اجتماعي يمكن أن نقوم به، إنه يخلق عائلة حتى بين الغرباء»
-الكاتب انطوني بردين-
*****
من منا لا يتذكر المائدة الرمضانية كل عام، لا أتحدث عن الطعام بل عن المشاعر التي ترافقنا وقت الاجتماعات العائلية، فالأكل الجماعي يساعد على إعادة بناء التماسك الاجتماعي.
ولعل مائدة الطعام اليومية مازالت موجودة وثابتة لدى الأسر التي لديها أطفال بينما إذا كبروا وبدأو حياة العمل من الصعب تحقيق هذا الاجتماع اليومي على مائدة الطعام إلا بالتزام الوالدين بذلك.
كان أبي يرحمه الله لا يسمح بغياب أحد منا عن مائدة طعام الغداء اليومية لأي سبب كان وكبرت واتبعت ذلك في تربيتي لبناتي حتى عندما كبروا وانطلقوا للعمل أصبح لدينا التزام عائلي بإفطار يوم الجمعة.
أقول ذلك لأن اجتماع العائلة على مائدة الطعام ليس رفاهية، بل للطعام المشترك قدرة سحرية على كسر الحواجز بين أفراد العائلة.
في تاريخنا كسعوديين لدينا أهمية للموائد المشتركة داخل الأسرة وخارجها وتمثل البركة في الاجتماع قيمة دينية واجتماعية تعكس أن الخير يتضاعف بالجمع.
وعند المجتمعات الإنسانية الأخرى يوجد مفاهيم مشابهة، فعلى سبيل المثال لدى المجتمعات الأفريقية، مفهوم أوبونتو (Ubuntu) «أنا لأننا نحن» هذا المفهوم يمثل الهوية الفردية التي لا تكتمل إلا عبر الجماعة.
وفي الثقافات الآسيوية، غالبًا ما تتضمن الوجبات الجماعية أطباقًا مشتركة، ترمز إلى الوحدة.
كل هذه المفاهيم تنطلق من رؤية إنسانية جماعية بأن الفرد لا يُعرف إلا من خلال الجماعة.
فالطعام الجماعي هو وسيلة فلسفية لتعزيز الروابط، والفردانية في الطعام مرتبطة بالغرابة أو قلة البركة.
يحدث ذلك حتى في السياسة، ففي التاريخ خلال زيارة نيكسون التاريخية للصين، كسر «عشاء بكين الرسمي عزلة استمرت عقودًا بين البلدين.
وهناك مأدبة الطعام المشتركة التي أحلّت السلام بين الكوريتين عام (2018)
لذلك فالموائد تعتبر أداة قوة ناعمة تعكس أن الجلوس حول طاولة واحدة يمكن أن يفتح الباب لاتفاقات تاريخية.
ومآدب الإفطار الرمضانية في بلادنا السعودية كانت وما زالت أداة للتقارب بين مختلف أطياف المجتمع، يجتمع فيها الأمراء والسياسيون ورجال الدين والمثقفون.
في ورقة عمل للباحثة» Chethan Bhargav» بعنوان الأكل الجماعي: رمزٌ للإنسانية المشتركة والوحدة في عالمٍ مُجزّأ
أكدت الدراسات أن الأشخاص الذين يتناولون الطعام معًا بانتظام يختبرون مستويات أقل من التوتر ومستويات أعلى من السعادة والرفاهية، ويتعزز لديهم الشعور بالانتماء؛ فالأكل المشترك وسيلة غير مباشرة لفتح الحوارات الصعبة وغياب الطاولة في الحياة الحديثة عزز العزلة الرقمية.
وفي مقال حديث نشرته Utah State University بعنوان «الأكل الجماعي: رمز للإنسانية المشتركة والوحدة في عالم مجزأ» للمؤلف: Chethan Bhargav
تحدث عن تحديات تواجه العائلة في الاجتماع حول مائدة الطعام مثل: أنماط الحياة السريعة، وضغوط الدراسة والعمل، والتكنولوجيا التي جعلت الناس يتناولون طعامهم بشكل فردي أكثر وتفاوت جداول أفراد الأسرة تجعل انتظام الوجبات المشتركة أصعب.
إن للوجبات العائلية المشتركة أثرا إيجابيا، فقد أظهرت الأبحاث أن العائلات التي تتناول وجبات معًا بانتظام يكون لديها نظام غذائي صحي متوازن.
كما أن الاجتماع حول مائدة الطعام يساعد على تقليل مشاعر القلق والاكتئاب، خصوصًا لدى المراهقين ويمنحهم شعورًا بالانتماء والدعم، ما يقوي ثقتهم بأنفسهم.
في عصر تتزايد فيه مشاكل الصحة النفسية، تتزايد أهمية تهيئة بيئات مناسبة حيث يمكن للناس التجمع لتناول الطعام، ليس كما يبدو أحيانا في إطار من البذخ والتباهي ولكن في التزام بقيم التقارب الأسري وتقوية الروابط العائلية.
المصادر:
Bhargav, C. (2024). Communal eating: A symbol of shared humanity and unity in a fragmented world. Global Journal of Sociology and Anthropology, 13(2), 1-2. International Scholars Journals.
Larson, H., Daines, S., Bevan, S., Gupta, P., الجزيرة Savoie Roskos, M. R. (2024, November). Improving health and well-being through shared family meals. Utah State University Extension.