ديمة الرويلي
لا تزال الممارسات الطبية الشعبية حاضرة في حياتنا اليومية، خصوصًا تلك التي توارثناها عن الأمهات والجدات مثل الحجامة، والكي بالنار، ووصفات الأعشاب، واستخدام العسل أو الحبة السوداء لعلاج بعض الأمراض .
وقد شكّلت هذه الوسائل جزءًا من ذاكرة المجتمع وتجربته الصحية، لكنها في الوقت ذاته تطرح إشكالات شرعية وقانونية وصحية معقدة تستدعي النظر والتأصيل.
من الناحية الشرعية، يُعَد حفظ النفس مقصدًا عظيمًا من مقاصد الشريعة الإسلامية، مما يوجب ضبط أي ممارسة طبية بما يرفع الضرر ويحقق المصلحة، وقد أقر الفقهاء بعض صور الطب الشعبي إذا كان فيها نفع ظاهر ولم يترتب عليها ضرر، لكنهم شددوا على مسؤولية الممارس وضرورة إذن المريض وتحقق السلامة بقدر المستطاع.
أما من الناحية القانونية، فقد وضعت الأنظمة السعودية -مثل نظام مزاولة المهن الصحية -أطرًا واضحة تمنع أي ممارسة طبية دون ترخيص، مع فرض عقوبات على المخالفين حمايةً للمرضى وتشمل هذه المسؤولية الممارسات التقليدية إذا تمت دون إشراف مختص أو بطرق قد تسبب ضررًا. ومع تطور الوسائط الرقمية، انتقلت هذه الممارسات إلى فضاء الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي؛ فأصبحت بعض الوصفات الشعبية تُعرض عبر مقاطع مرئية أو حسابات شخصية، ما يفتح الباب لانتشار معلومات قد تكون غير دقيقة، أو لوصفات قد تحمل مخاطر صحية. وهنا تبرز أهمية حماية البيانات الصحية للمتابعين والمرضى، إذ قد يتم استغلال معلوماتهم أو مشاركتها بطرق غير آمنة.
إن الجمع بين الجانب الشرعي والقانوني يوضح أن المسؤولية في هذا المجال مشتركة: فالممارس يتحمل تبعة ما يقدمه، والمريض مسؤول عن التحقق من سلامة المصدر كما تتحمل الجهات المختصة واجب التوعية والرقابة لضبط هذا القطاع.
إن الحفاظ على تراثنا الشعبي الصحي لا يعني القبول بكل تفاصيله دون تمحيص، بل يستلزم الموازنة بين ما له أصل معتبر، وما قد يسبب ضررًا ويخالف مقاصد الشريعة وأنظمة الدولة ومن هنا، فإن إعادة النظر في هذه الممارسات، في ضوء التحول الرقمي ورؤية المملكة 2030،ضرورة لحماية النفس والبيانات الصحية، ولضمان التكامل بين الأصالة والمعاصرة.