د.شريف بن محمد الأتربي
دُعيت خلال الأسبوع الفائت إلى مؤتمر بعنوان: إدارة المخاطر في التعليم: التحديات والحلول المستقبلية، وذلك من قبل الكلية العسكرية التقنية في مسقط بسلطنة عُمان الحبيبة. كان جل تخوفي هو اختلاف المخاطر في البيئات المجتمعية المختلفة مما قد يؤثر على مخرجات ورقة البحث، ولكني وجدت الألم واحدا، والأخطار متشابهة، فشحذت همتي، واسترجعت ذكريات عملي كمعلم، وأفردت لمخاوفي كأب قبل أن أكون معلما مساحة كبيرة من التفكير، وقرنتها بما صار عليه العالم الآن من تغيير، سجلت نقاطي في ورقة وليس في آيباد ولا تبليت، فأنا ورقي حتى النخاع، قرأت، وقرأت عن المخاطر والخطر والفرق بينهما، وعن إدارة المخاطر في المؤسسات والشركات، جمعت كما هائلا من المعلومات تكفي لماجستير أو دكتوراه، ولكن هيهات هيهات فكل الوقت المخصص لي 30 دقيقة، زيدت كرما منهم لشخصي إلى 45 دقيقة، ورغم ذلك لم تكف ولن تكفي، فإدارة المخاطر في العملية التعليمية هي أصعب نموذج يمكن تنفيذه من بين كل نماذج إدارة المخاطر.
يواجه المجتمع برمته أخطارا عديدة تحتاج إلى قوى رشيدة تدير هذه الأخطار، سواء بالقضاء على أكثرها خطورة وتخليص المجتمع منه، أو تحويل الخطر إلى فرصة كما حدث في كوفيد19 وظهور نجم التعليم عن بعد، أو غض النظر عن هذا الخطر مؤقتا لعدم تأثيره بصورة جلية وواضحة على المجتمع.
والمؤسسات التعليمية هي أداة من أدوات الدولة في مكافحة الأخطار، بل ورصدها مبكرا، ووضع خطة لإدارتها، حيث تواجه هذه المؤسسات تحديات متزايدة نتيجة للتغيرات السريعة في العالم والتي تنعكس بدورها على البيئة التعليمية، مما يستدعي ضرورة إدارة المخاطر بشكل فعال لضمان استمرارية التعليم وسلامة الطلبة.
تلعب إدارة المخاطر دورًا محوريًا في تعزيز جودة التعليم وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمؤسسات التعليمية، حيث تشمل مجموعة من الإجراءات والخطط التي تهدف إلى تقليل المخاطر وتخفيف آثارها السلبية سواء على البيئة التعليمية أو على مستوى انعكاسها على المجتمع ككل.
إدارة المخاطر في القطاع التعليمي تعني تحديد، تحليل، وتقييم المخاطر التي قد تواجه المؤسسات التعليمية، مثل المخاطر المالية، التشغيلية، والقانونية. تُعتبر هذه الإدارة جزءًا لا يتجزأ من التخطيط الاستراتيجي، حيث تساعد في توفير بيئة تعليمية آمنة ومستدامة، وتعزز من قدرة المؤسسة على مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.
تتمثل أهمية إدارة المخاطر في عدة جوانب، فهي تعزز من الاستقرار داخل المؤسسات التعليمية، حيث توفر حماية ضرورية وتعزز من قيمة المؤسسة، كما تُحسن من عملية اتخاذ القرار، كما تساهم في تعزيز التخطيط وتحديد الأولويات مما يساعد الإدارة في التحكم بكفاءة في الموارد، إلى جانب قدرتها على زيادة الكفاءة داخل المؤسسة، حيث تؤدي إلى تحسين الأداء التشغيلي من خلال تطبيق استراتيجيات مبتكرة وتبني أحدث التقنيات.
يُعتبر الوعي المجتمعي عنصرًا أساسيًا لنجاح استراتيجيات إدارة المخاطر، إذ يلعب دورًا حيويًا في تعزيز السلامة التعليمية من خلال تعزيز المسؤولية المشتركة تجاه سلامة الطلاب، مما يسهم في إنشاء بيئة تعليمية آمنة.
يظهر دور الوعي المجتمعي جليا عند مجابهة الأخطار، حيث يُحسن من سرعة الاستجابة للأزمات، ويرفع من فاعلية برامج التوعية والتدريب، مما يزيد من قدرة المجتمع على الاستجابة للأزمات بكافة أنواعها وأشكالها، وخاصة التعليمية منها.
تعمل الدول على زيادة الوعي المجتمعي، ومن أجل ذلك وضعت الكثير من الخطط التي تسهم في زيادة الوعي المجتمعي، ورفع نسبة مشاركة المجتمع في التصدي للمخاطر، والوقوف بجانب الدولة في الأزمات المحلية التي يمكن أن تضر المجتمع كله وليس فرد أو جماعة بذاتها. يمكن للدولة تنفيذ عدة استراتيجيات لتحقيق رؤيتها في تعزيز الوعي المجتمعي، حيث تشمل هذه الاستراتيجيات تنظيم برامج توعية، مثل ورش العمل وحملات التوعية لأولياء الأمور والمجتمع المحلي حول الأخطار التي تحدق بالمجتمع خاصة التعليمية منها، والتي تؤثر على السلامة المدرسية وإدارة المخاطر.
يُمكن تعزيز التعليم القائم على المشاركة من خلال إشراك المجتمع في تطوير خطط الطوارئ والمدارس، مما يعزز من فعالية الاستجابة للأزمات، بالإضافة إلى ذلك، يُعتبر التعاون مع الجهات المختصة، مثل أجهزة إنفاذ القانون والجهات الصحية، خطوة مهمة لتعزيز الاستجابة الفعّالة.
تواجه إدارة المخاطر في التعليم تحديات متعددة، منها نقص الوعي بأهمية الإدارة نفسها، وغياب المشاركة المجتمعية الفعالة، ورغم ذلك يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال تنفيذ حملات توعية مستمرة تستهدف رفع مستوى الوعي حول أهمية إدارة المخاطر، وتعزيز دور الإعلام في نشر الوعي وتعزيز مشاركة جميع فئات المجتمع.
في الختام، تتطلب إدارة المخاطر في القطاع التعليمي نهجًا شاملًا يجمع بين التخطيط الاستراتيجي والوعي المجتمعي الفعّال، فمن خلال تعزيز الوعي المجتمعي وتطبيق استراتيجيات مبتكرة، يمكن للمؤسسات التعليمية توفير بيئة تعليمية آمنة ومستدامة، مما يسهم في بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحديات المستقبلية.