منصور بن صالح العُمري
العلاقات بين الدول تشبه كثيرًا العلاقات بين الناس، ثمة علاقات تُعقد بماء الورد.. لا تصمد أمام أول ريح، وثمة أخرى تُكتب بالحبر السرّي، لا يعرفها حتى أصحابها، وثمة القليل.. القليل جدًا، يُوقّع على عهوده بالحبر والدم معًا، وفي الرياض، وفي لحظة لا تشبه اللحظات العابرة، أعلنت المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية اتفاقًا دفاعيًا إستراتيجيًا مشتركًا، اتفاق لا يقول كلمات بروتوكول، بل يصرّح بتعهد: «أي اعتداء على أحدنا.. هو اعتداء علينا معًا.»
منذ عقود، والسعودية وباكستان تسيران جنبًا إلى جنب، في ميادين التعاون، وفي دهاليز السياسة، وفي ظلال التحديات الكبرى. لكن التوقيت الآن يضفي على الاتفاق نكهة أخرى، فالسعودية لم تعُد تلك الدولة الهادئة التي تجلس في مقعد المتفرّج، ولم تعُد «تكتفي بالدعاء» إذا احترق الجوار. إنها اليوم تُدوّن سياساتها بخطّ واثق، وتوقّع صفقاتها بصوت مسموع، وتعقد تحالفاتها على أسس لا تعرف الهشاشة، أما باكستان.. فليست هي الأخرى دولة هامشية. إنها الدولة التي تحمل في قلبها ترسانة نووية، وفي ذاكرتها صداقة قديمة مع مهد الإسلام.
الذين يفهمون السياسة بعيون الخُطب لا يُدركون حجم هذا الاتفاق، والذين يحسبون قيمة التحالفات بعدد الصور الرسمية لا يدركون أن بعض الصور تشبه الأختام على صكّ المصير، وفي هذا الاتفاق، رائحة الرجال الذين لا يُساومون، وصدى الزعماء الذين يعرفون أن أمن الوطن لا يُهدى، بل يُحمى. في هذا الاتفاق، وعدٌ ألا ينام العربي والمسلم وهو خائف، وأن لا يتكرر فينا مشهد من تُرك وحيدًا، فذُبح، أو صُفّق له من بعيد، فاحترق. هي ليست ورقة.. هي جبهة جديدة في وجه الفوضى. هي بيان صريح بأننا لن نكون صدىً لأصوات الآخرين، بل صوت أصيل، إذا قال.. سُمِع، وإذا وُعِد.. وُفِي.
وفي ختام هذا المشهد المشرّف، لا يسعنا إلا أن نتوجه ببالغ الشكر والتقدير لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ذلك القائد المحنّك، الحازم، الذي يُدير الملفات الكبرى بحكمة القادة وبُعد نظر رجال الدولة الكبار. وكذلك لفخامة رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، الذي أتى الرياض لا بوفد دبلوماسي فحسب، بل بقلبٍ ممتلئ بالإخلاص، ويدٍ تمتدّ إلى شراكة ناضجة تُعيد للأمة شيئًا من وزنها، فالشكر لهما معًا على اتفاقٍ ليس مجرد دفاع، بل درس في الوفاء، وفي أن الأخوّة، حين تُصان، تصنع التاريخ لا تُؤرَّخ فقط.