د. محمد عبدالله الخازم
سيعتبر من باب التكرار الإشارة إلى إنجازات هيئة الترفيه وتحقيقها قفزات مهمة في تأسيس البنى التحتية، كإنشاء المسارح وأماكن الترفيه وتنظيم الفعاليات، وغيرها. وعبر إسهامها في تأسيس هوية اجتماعية مختلفة، تعزِّز ثقافة الترفيه بمختلف أنواعه. كل ذلك يعزِّز رؤية المملكة في تنويع مصادر الدخل وقبول التنوع في المجتمع السعودي ... إلخ.
وفق المرحلة التأسيسية، لم يكن متاحاً نقاش نموذج العمل الذي تسير عليه الهيئة، وهل هو نموذج دائم أم مرحلي تطلبته مرحلة التأسيس وضرورة الإنجاز السريع، باعتبار أي تردد في التنفيذ قد يفقد مشروع الترفيه وهجه الذي تريد الدولة ترسيخه بشكل حاسم وسريع. لقد تحققت أهداف كبرى عبر هذا الأسلوب تستوجب شكر القائمين عليه والداعمين له، بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، سمو الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله.
الآن، وبعد تجاوز مرحلة عنق الزجاجة بنجاح كما يُقال في تأسيس المشروع الترفيهي، نطرح أسئلة إستراتيجية فكرية حول آلية عمل هيئة الترفيه والأدوار المنوطة بها؛ تحديداً نسأل هل تستمر كجهة تنفيذية تتولى تنفيذ مشاريع الترفيه بمختلف أنواعها، أم تعيد تعريف أدوارها لتكون إشرافية تشريعية تحفيزية للقطاع؟
لتقريب الصورة، نشير إلى الهيئات الأقرب للترفيه. هناك هيئة السياحة لا تقوم ببناء فنادق، منتزهات، منتجعات أو رحلات سياحية وإنما يتركز دورها في التشريع والرقابة والتحفيز للقطاع عبر التشريعات والتسهيلات المناسبة. هناك وزارة الرياضة، بعد أن كانت تقوم بتنفيذ الأنشطة وتدير الأندية والاتحادات، تتحول تدريجياً نحو تجاوز الأدوار التنفيذية لتكون داعماً ومحفزاً. نرى مثلاً خصخصة الأندية الرياضية وتحول الاتحادات إلى أهلية/ شركات مستقلة واكتفاء الحكومة بالتحفيز عبر الدعم للقطاع ريثما ينضج بشكل أكبر.
ما أرمي إليه هنا هو اقتراح تقليص هيئة الترفيه لأدوارها التنفيذية، التي تنفذها بشكل مباشر أو عبر عقود تنفيذية مع الغير، والتحول إلى دور المحفز للسوق والمشرع والمراقب. لعلها بما تملكه من خبرات قيادية وعلاقات دولية تطور وتجلب شركات متميزة للسوق عبر التحفيز وتطوير التشريعات والرقابة والمنافسة بالتضامن مع المؤسسات الحكومية الأخرى ذات العلاقة. هذا الأمر هو ضمن رؤية 2030 المهتمة بترشيد الإنفاق الحكومي ودعم القطاع الأهلي والاستثماري المحلي والأجنبي.
مع ملاحظة أنه في المشاريع الرأسمالية الضخمة سيكون دعم الحكومة مطلوباً، مثل تأسيس ملعب أو مسرح أو مدينة ألعاب ضخمة بمواصفات لا يمكن للقطاع الخاص القيام بها منفرداً وتصنف ضمن مشاريع البنية التحتية الوطنية. ليس المطلوب التخلي عن ذلك مرة واحدة، وإنما نشير إلى التشغيل التنفيذي لأنشطة الترفيه أسوة بمشاريع السياحة والرياضة وغيرها من النشاطات.
إن إعادة تعريف أدوار هيئة الترفيه بتقليص مهامها التنفيذية، سيسهم في استدامة برنامج الترفيه وعدم اعتماده بشكل رئيس على الدعم الحكومي والحماس الفردي. باعتبار الدعم الحكومي يتأثر بمعطيات اقتصادية وتنموية وإدارية متنوعة، فإن على القطاع الاعتماد على ذاته في تطوير موارده المستدامة. أيضاً، لا ننسى بأن القطاع -باعتبار حداثته- يحتاج لمزيد من الجهود التنظيمية المتعلقة بتصنيف ورخص نشاطات الترفيه المختلفة.
نكرر التقدير لهيئة الترفيه، فلسنا نجهل إنجازاتها وتميزها وإنما نطرح أسئلة فكرية حول فلسفة العمل المستقبلية.