بدر بن عبدالمحسن المقحم
مما لا شك أن تاريخ العلاقات السعودية الباكستانية الممتدة نحو ثمانية عقود وما تخللها من مواقف وإنجازات ومشاريع مشتركة ناجحة وعلى كافة الصُّعد تعطي الدليل للقاصي والداني على عمق هذه العلاقة أمام كل التحديات والمخاطر التي شهدها العالم وبالذات المنطقة الآسيوية والتوترات فيها، أو ما حدث في المنطقة من صراعات كحروب الخليج الثلاثة، أو الحرب الدموية التي كانت وما زالت إسرائيل تشنّها ضد الأراضي العربية وبالذات الأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية والقطرية، فقد كانت مواقف البلدين تجاه تلك المخاطر متطابقة ومتضامنة ومتفقة على إيجاد أفضل الحلول لمواجهتها والحد من آثارها، وقد نتج عن هذه التجربة الطويلة الثنائية بين البلدين عدة منجزات مهمة خاصة في مجال التدريب العسكري والإنتاج الدفاعي ومشاركة قواتهم المسلحة في تمارين عسكرية برية وجوية وبحرية، كما توّجت هذه العلاقة مؤخراً وبعد هذه العقود الزمنية بتوقيع اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك وذلك في مدينة الرياض بين كل من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، ودولة رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية السيد محمد شهباز شريف يوم الأربعاء الموافق 25-3-1446هـ الموافق 17-9-2025م، حيث تجسد هذه الاتفاقية المصير المشترك للمملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية الشقيقة ونقطة تحول مفصلية في تاريخ البلدين الشقيقين، وتعكس روح الشراكة التاريخية الممتدة لعقود مضت، كما أنها توثِّق من روابط الإخوة والتضامن الإسلامي، وتعزِّز المصالح الإستراتيجية والتعاون الدفاعي المشتركة بينهما، فهذه الاتفاقية تشتمل على عنصري (الدفاع المشترك) و(الردع) وهما ركيزتان لهذه الاتفاقية بحيث أي هجوم على أي منها اعتداء على كليهما وهو ما يؤكد على حرص البلدين على تعزيز قدراتهما الدفاعية والردع المشترك في ضوء المخاطر والتحديات الدولية التي تشهدها الساحة على المستوى العالمي والإقليمي، وهي في المحصلة النهائية تصب في سعي البلدين في تعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم من ناحية، وتطوير جوانب التعاون الدفاعي بينهما من ناحية أخرى، ولا تستهدف في الوقت نفسه أي طرف آخر مع العلم بأنها ليست بديلاً لأي تعاون عسكري ثنائي قائم بين المملكة وأي دولة شقيقة أو صديقة، كما أنها تعتبر حق سيادي لكلا البلدين شأنها شأن الاتفاقيت الدفاعية الدولية القائمة حالياً. أن الدلالات التي تحملها هذه الاتفاقية من الناحية الإستراتيجية تشير إلى أن أمن المملكة والباكستان واحد والمصير المشترك واحد وأن أي طرف تسوِّل له نفسه بالاعتداء على أي منهما سيكون في مواجهة دولتين لهما ثقلهما في العالم وبالأخص في العالمين العربي والإسلامي لما تزخران بهما من مكانة دولية وموارد استثنائية، فالمملكة تتمتع بثقل إسلامي باحتضانها للحرمين الشريفين، كما أنها أحد أكبر مصدري الطاقة في العالم وتمتلك زخماً من الإمكانات البشرية والمادية فضلاً عن موقعها الإستراتيجي المتميز ودورها العالمي في القضايا الدولية، والباكستان أيضاً بلد إسلامي ولديها من العديد من القدرات التقنية والعسكرية والنووية بالإضافة إلى مخزون بشري هائل ولها كذلك دور فاعل عالمياً وإقليمياً، فكل هذه المقومات ترسخ من هذه الاتفاقية وتضفي عليها من أسباب القوة لاسيما أن القواسم المشتركة بين السعودية والباكستان كثيرة من بينهما القاسم المشترك الأهم وهي العقيدة الدينية الواحدة. إن ما تحقق على هذا الصعيد سيسهم في تعزيز السلام والاستقرار ليس في المنطقة فحسب، بل في القارة الآسيوية وبقية العالم، لأن من شأن ضمان الأمن في جزء حيوي من الكرة الأرضية أن كفيلاً بأن يلقي بآثاره الإيجابية على الأجزاء الأخرى، لأن الأمن الدولي كل لا يتجزأ، والبشرية تحتاج لمثل هذا الأمن للعيش والبناء والتنمية.