د. رانيا القرعاوي
تقدمت المملكة في المؤشر العالمي للابتكار 2025 الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، إلى المرتبة 46 عالميًا مقارنة بالمرتبة 47 في 2024م، لتصبح من بين أسرع الاقتصادات صعودًا في الابتكار خلال خمس سنوات، فقد ارتفعت المملكة 20 مركزًا منذ 2020.
يؤكد هذا الإنجاز أن مسار التحول الذي رسمته رؤية 2030 بدأ يُترجم إلى نتائج ملموسة في مؤشرات دولية محايدة، الغريب أن هذا التقدم لم يُقابل باحتفاء إعلامي محلي واسع، رغم أنه يعكس نقلة حقيقية في السياسات الاقتصادية والبنية التحتية الرقمية والتعاون بين الجامعات والصناعة، وهي جميعها ركائز أساسية لاقتصاد قائم على المعرفة.
نجد دولًا أخرى استثمرت إعلاميًا في مكاسبها. كالمغرب الذي صعد إلى المرتبة 57، وهو أفضل مركز في تاريخه، وسارعت مؤسساته الإعلامية إلى تسويق ذلك كنجاح وطني يعكس انتقالها من الصناعات التقليدية إلى التصنيع عالي القيمة. كذلك، الإمارات التي وصلت إلى المرتبة 30 ـ أفضل موقع لها على الإطلاق، والتي حرصت على ربط هذا التقدم برسائل إستراتيجية حول جاذبية بيئة الأعمال والانفتاح على المواهب العالمية. بينما السعودية، رغم أنها تصدرت قائمة الاستخدام الرقمي في المنطقة وسجلت تقدمًا متواصلًا منذ 2019، لم تُحوِّل المؤشر إلى قصة نجاح أو مادة تفاعلية ملهمة.
لا يقتصر دور الإعلام على تمرير الأرقام والإحصائيات في التقارير، بل هو أداة لترتيب الأولويات وصناعة الثقة. فوفق ما تؤكده نظرية «ترتيب الأولويات» في الدراسات الإعلامية، يتحول ما يُطرح على جدول النقاش العام إلى وعي مجتمعي وسياسة واقتصاد. لو استثمرنا إعلاميًا في هذا التقدم، لكان بالإمكان تحفيز الشباب على البحث وريادة الأعمال، وتعزيز ثقة المستثمرين، وترسيخ صورة المملكة كدولة تبني مستقبلها على المعرفة لا على النفط فقط.
إن الابتكار ليس مجرد مؤشر اقتصادي، بل قصة وطنية تستحق أن تُروى وأن نحتفل بها كما نحتفل ببطولات الرياضة أو إنجازات العمران، لأن في سردها تكريسًا لقناعة عامة بأن السعودية تسابق العالم بعقول أبنائها، وأن المستقبل يبدأ من هنا. ومن ثم فإن ما يسجله المؤشر العالمي للابتكار ليس مجرد رقم يُضاف إلى سجل الإحصاءات، بل هو شاهد على أن رؤية 2030 تُعيد صياغة مكانة المملكة عالميًا من خلال الاستثمار في الإنسان والمعرفة.